الحج وأحكامه (196 - 200)
لماذا جاء آيات أحكام الحج بعد الجهاد؟ لأن الحج هو أعلى تدريب على القتال واعلى مجاهدة النفس. وأيات الحج بالتفصيل وردت في سورة البقرة استجابة لدعوة سيدنا ابراهيم في الربع الثامن من القسم الاول (وأرنا مناسكنا) آية 128 ونلاحظ أن سورة البقرة اشتملت على أركان الاسلام الخمسة : الشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج ولم تفصّل هذه الاركان في القرآن كما فصّلت في سورة البقرة.
هژںه¸–هœ°ه€: منتدى نور الدنيـا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الاسلام منهج متكامل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) آية 208 والسلم هو الاسلام وهو توجيه للمسلمين ان لا يكونوا كبني اسرائيل الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) آية 85 وأن يأخذوا الدين كاملا غير مجتزأ فكأنما يوجهنا الله تعالى في سياق السورة الى الطاعة والتميز ثم يعطينا بعض عناصر المنهج ثم يأمرنا أن نأخذ الاسلام كافة و لا نفعل كما فعل بنو اسرائيل ثم يكمل لنا باقي المنهج. وهذ الآية (ادخلوا في السلم كافة كان لا بد من وجودها في مكانها بعد الطاعة والتميز واتباع الاوامر والنواهي والجهاد والانفاق للحفاظ على المنهج ثم الاخذ بالدين كافة ثم التقوى التي تجعل المسلمين ينفذون.
الربع : اكتمال المنهج (الآيات 219 – 242)
وفيه اكمال المنهج من أحكام الاسرة من زواج وطلاق ورضاعة وخطبة وخلع وعدة وغيرها وسياق كل ذلك التقوى ونلاحظ نهاية الآيات بكلمة تقوى او مشتقاتها. وقد تأخرت آيات احكام الاسرة عن احكام الصيام لأن الله تعالى بعدما أعد المسلمين بالتقوى وبطاعته جاءت أحكام الاسرة التي لا ينفذها إلا من اتقى وأطاع ربه فالمنهج الاخلاقي والعملي متداخلين في الاسلام. لا ينفع أن يبدأ باحكام الاسرة ما لم يكن هنالك تقوى في النفوس البشرية.
الربع : قصة طالوت وجالوت (آية 246 – 251)
وهي قصة أناس تخاذلوا عن نصرة الدين وجاء ذكرها في موضعها لأن المنهج يجب أن يحافظ عليه ولا يتم ذلك إلا بوجود أناس يحافظون عليه.
آية الكرسي (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (آية 255) موضعها في السورة مهم جدا وتدلنا الى أنه اذا اردنا تطبيق المنهج يجب ان نستشعر قدرة الله وعظمته وجلاله (الله لا إله الا هو الحي القيوم) فالمنهج ثقيل ويتطلب الكثير من الجهد لكنه يستحق التطبيق لأنه منهج الله تعالى (الله لا اله إلا هو)
ثم تأتي بعدها آية غاية في كرم الله وعدله (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أمر من الله بان لا نكره أحدا على الدين لماذا؟ لأن الدين واضح معناه بعد قوله (الله لا اله الا هو) فالذي لا يعرف معنى (الله لا اله إلا هو) ولا يستشعر عظمة هذا المعنى لا مجال لإكراهه على الدين. فالرشد بيٌن والغي بيٌن.
قدرة الله تعالى في الكون (دلائل احياء الموتى):من الآية (258 – 261) جاءت في ثلاث قصص:
قصة ابراهيم مع النمرود آية 258 (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
قصة عزير والقرية الخاوية آية 259 (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
قصة ابراهيم والطير آية 261 (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
وفي القصص الثلاث تأكيد على قدرة الله تعالى وأنه (لآ اله إلا هو) فكيف لا نقبل بتنفيذ المنهج او نكون مسؤولين عن الارض بعدما أرانا الله تعالى قدرته في الكون؟
الربع الأخير: الإنفاق (الآيات 261 – 283)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ *فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ )آية 278
وهو آخر جزء من المنهج وفيه حملة شديدة على جريمة الربا التي تهدد كيان المحتمع وتقوض بنيانه وحملت على المرابين باعلان الحرب من الله تعالى ورسوله على كل من يتعامل بالربا او يقدم عليه. وعرض للمنهج البديل فالاسلام لا ينهى عن أمر بدون ان يقدم البديل الحلال. وقد جاءت آيات الربا بين آيات الانفاق لتؤكد معنى وجود المنهج البديل للمال والرزق الحلال.
oالخاتمة: وهذه أروع آيات السورة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) آية 285 فالتكاليف كثيرة والتعاليم والمنهج شاق وثقيل فكان لا بد من ان تأتي آية الدعاء لله تعالى حتى يعيننا على أداء وتنفيذ هذا المنهج (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) آية 286
اي أعنا يا ربنا على تنفيذ المنهج لأنه سيوجد اعداء يمنعوننا من ذلك ولن نقدر على تطبيق المنهج بغير معونة الله. واشتملت الخاتمة بتوجيه المؤمنين الى التوبة والانابة والتضرع الى الله عزّ وجلّ برفع الأغلال والآصار وطلب النصرة على الكفار والدعاء لما فيه سعادة الدارين (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) وقد ختمت السورة بدعاء المؤمنين كما بدأت بأوصاف المؤمنين وبهذا يلتئم شمل السورة أفضل التئام فسبحان الله العلي العظيم.
خلاصة: نحن مسؤولون عن الارض والمنهج كامل وعلينا ان ندخل في السلم كافة والمنهج له إطار: طاعة الله وتميز وتقوى. اما عناصر المنهج فهي: تشريع جنائي، مواريث، إنفاق، جهاد، حج، أحكام صيام، تكاليف وتعاليم كثيرة فلا بد أن نستعين بالله تعالى على أدائها لنكون أهلا للاستخلاف في الارض ولا نقع في أخطاء الامم السابقة.