شيخ يعلم بعض الأطفال بعد أن وصل عدد المسلمين في
أوروبا حوالي 30 مليون مسلم، أصبحت هناك مطالبات ملحّة من جانب الجالية
الإسلامية في الغرب بتدريس الدين الإسلامي في المدارس؛ حتى يتمكن أجيال
المسلمين من الحفاظ على الهوية الإسلامية وحمايتهم من الذوبان في الهوية
الغربية، غير أن مطالبة المسلمين بتدريس الدين الإسلامي لم تمر بسلام
وهدوء، وصاحبتها صعوبات جمة.
وكان من أبرز هذه الصعوبات: عدم
الاعتراف بالدين الإسلامي في كثير من الدول الأوروبية، ولكن بمزيد من
الإصرار والضغوط المستمرة من جانب مسلمي أوروبا، اضطرت العديد من الحكومات
الغربية إلى وضع تدريس الدين الإسلامي ضمن أولوياتها، وذلك في إطار سعيها
لاستيعاب المسلمين وإدماجهم في المجتمعات الأوروبية.
ألمانيا وعجز الكفاءات
**************وتشير
آخر الإحصائيات إلى أن عدد التلاميذ المسلمين في المدارس الألمانية يتجاوز
ثمانمائة ألف تلميذ وتلميذة، وعلى الرغم من اتجاه الولايات الألمانية إلى
دعم تدريس الدين الإسلامي في المدارس الحكومية، إلا أن هذه المدارس تعاني
من عجز كبير في الكفاءات المؤهلة للتدريس، لذلك قامت جامعة مونستر في عام
2004م بإنشاء قسم بمركز الدراسات الدينية التابع للجامعة، حتى يتسنى توفير
عدد كاف من المعلمين والمعلمات وتأهيلهم بصورة مناسبة، وتتضمن شروط
الالتحاق بالقسم أن يكون الشخص المتقدم مسلماً، ومؤهلاً كمعلم، أو يكون
على الأقل قد بدأ في دراسة تؤهله للتدريس.
ولا يمكن وصف فكرة تعليم
الدين الإسلامي في ألمانيا بأنها جديدة، ولا يمكن حتى أن نقول إنها قد
ولدت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م الإرهابية، فالدستور الألماني
يكفل منذ وضعه عام 1949م لكل من يعيش في البلاد حرية ممارسة الشعائر
الدينية، وبناء على ذلك يتمتع التلاميذ المسلمون بحق التثقيف الديني في
مدارسهم الألمانية، ومنذ ما يزيد على 20 عاماً يبحث ممثلو المنظمات
الإسلامية مع القائمين على شؤون التعليم في الولايات الألمانية، خاصة في
ولاية شمال الراين وستفاليا، مسألة وضع منهج لتدريس هذه المادة.
وبالرغم
من تواجد ما يزيد على 3و5 مليون مسلم في ألمانيا لم تشهد العقود والأعوام
الماضية وضع منهج دراسي موحد للديانة الإسلامية، إنما شهدت عدة تجارب
نموذجية في هذه المدرسة أو تلك، ويعكس ذلك عدم وجود موقف إسلامي موحد في
ألمانيا وتباين تصورات المنظمات الإسلامية فيما يتعلق بكيفية تدريس هذه
المادة.
وعلى الرغم من نجاح تجربة تدريس الدين الإسلامي في العديد من الولايات الألمانية، إلا أن هناك بعض التحديات والعراقيل.
ففي
ولاية "هيسن" خصصت وزارة التربية المحلية في مدارسها حصصاً رسمية للتربية
الدينية للكاثوليك والبروتستانت واليهود والسريان الأرثوذكس والأرمن، وعدد
آخر من الجمعيات الممثلة للطوائف الدينية في الولاية.
وفي المقابل ترفض
الوزارة في هذه الولاية منذ سنوات تخصيص حصة مماثلة للدين الإسلامي
للتلاميذ المسلمين في مدارس الولاية، رغم أن عدد هؤلاء التلاميذ يزيد في
هذه الولاية على70 ألف طالب؛ وهو ما يجعلهم ثاني أكبر مجموعة دينية من
التلاميذ بعد التلاميذ النصارى.
وفي ولاية "بادن فورتمبرج" رفضت وزارة
التربية خلال السنوات الأربع الماضية 5 طلبات من الجمعيات الإسلامية
لتقديم حصة دينية للتلاميذ المسلمين في مدارس الولاية، متعللة بمبررات
مختلفة، فبعد استيفاء الجمعيات الإسلامية في شهر ديسمبر 2004م جميع شروط
الوزارة وتقدمهم بخطة دراسية موحدة وشاملة قالت الوزارة: إنها ستبدأ في
حالة موافقتها على الخطة في تدريس الدين الإسلامي باللغة الألمانية في عدد
من مدارسها العام القادم كمحاولة تجريبية.
إسبانيا وقانون الإصلاح التربوي
*******************وكان
إصدار قانون "الإصلاح التربوي" في إسبانيا عام 2004م خطوة مهمة في تدريس
الدين الإسلامي، حيث بدأت الحكومة الإسبانية بالفعل خطوات عملية في تدريس
الدين الإسلامي بعدد من المدارس في المدن الإسبانية الكبرى.
ويأتي
تدريس الإسلام بإسبانيا وفقاً لاتفاق عقدته الحكومة الاشتراكية السابقة في
بداية التسعينيات مع عدد من الهيئات الإسلامية في إسبانيا، إلا أن تطبيق
هذا الاتفاق تأخر لعدة سنوات قبل أن يصل الحزب الشعبي اليميني إلى السلطة
في أبريل 1996م ويتم تجميده لثماني سنوات أخرى، ثم تم إحياؤه بعودة
الاشتراكيين للسلطة في أبريل 2004م.
ويقضي الاتفاق باعتماد تدريس الدين
الإسلامي في المدارس الإسبانية بالمدن التي تشهد وجوداً مكثفاً للأقلية
المسلمة، ومن أهمها "برشلونة" (شمال شرق إسبانيا)، وهي أكبر مدن البلاد،
والعاصمة "مدريد"، ومدينة "ليبانتي" وسط شرق البلاد، إضافة إلى إقليم
الأندلس كله الذي يعرف وجوداً كبيراً للمهاجرين المسلمين وأغلبهم مغاربة.
وبالطبع
فإن تدريس الدين الإسلامي بالمدارس الإسبانية لم يكن ليمر دون معارضة
شديدة من طرف اليمين بزعامة الحزب الشعبي والكنيسة، بسبب معارضتهما لزيادة
أعداد المهاجرين المسلمين في البلاد، واستطاعت حملة قادها الحزب الشعبي
والتيارات المقربة من الكنيسة أن تفرض على القانون مجموعة من القيود
الصارمة التي تم الرضوخ لها، ومن أهم تلك القيود أن يتم تدريس الإسلام فقط
في المدارس التي توجد بها أغلبية من التلاميذ المسلمين، وأن يتقدم 10
تلاميذ (على الأقل) أو أولياء أمورهم في كل فصل بطلب تلقي دروس الدين
الإسلامي، وألا تتعارض هذه الدروس مع القوانين الداخلية لعدد من المدارس
الإسبانية الحكومية أو الخاصة.
إلا أن المعارضة اليمينية فشلت في فرض
قيود أشد صرامة لتدريس الإسلام، ومن بينها أن يقوم مدرسون إسبان بإلقاء
الدروس، حيث اعتبرته حكومة الاشتراكيين أمراً غير واقعي على الإطلاق،
وشبهته بعملية إعطاء دروس في الكاثوليكية على يد مدرسين مسلمين.
ومن
هنا تراهن أوساط المعارضة على فشل خطوة تدريس الدين الإسلامي بمدارس
إسبانية بسبب قلة عدد المدرسين، حيث إن مدينتي "سبتة" و"مليلية" لا يوجد
بهما حاليا سوى 20 مدرساً لمادة الدين الإسلامي، إلا أن الحكومة الإسبانية
تدرك ذلك العائق وتعتزم التغلب عليه عبر استقدام مدرسين مغاربة يتكلمون
الإسبانية، على غرار الاتفاق بين المغرب وإيطاليا، والذي سمح أخيراً
بإيفاد المغرب 30 مدرساً لتدريس اللغة العربية للمهاجرين المغاربة
بإيطاليا.
هولندا وبرنامج علم الدين الإسلامي
**********************وفي
هولندا التي يعيش فيها حوالي مليون مسلم، بدأت بعض الجامعات بتدريس اختصاص
علم الدين الإسلامي، حيث أعلنت وزارة التعليم والثقافة والعلوم الهولندية
أنها ستقدم دعماً مالياً يبلغ 2.35 مليون يورو لتطوير هذا البرنامج
الدراسي الذي يستغرق أربع سنوات للحصول على شهادتي البكالوريوس والماجستير
في علم الدين الإسلامي.
وذكرت مصادر إعلام أوروبية أن جامعة "لايدن"
الهولندية هي الجهة المسؤولة عن برنامج علم الدين الإسلامي الذي يستمر
أربع سنوات للحصول على معرفة عميقة بمصادر الإسلام وبالعربية وبتاريخ
ومفاهيم المذاهب المختلفة، إضافة إلى الوضع الراهن للإسلام في عالمنا
المعاصر، مشيرة إلى أنه من بين المقررات التي يتشكل منها البرنامج (علم
نفس الأديان، سوسولوجيا الأديان، الفلسفة، علوم الأديان) إضافة إلى دورات
في اليهودية والنصرانية.
وبجهود حثيثة من المستشرق الهولندي البارز
"بيتر شورد فان كونينجسفيلد" تأسس قسم لأصول الدين الاسلامي بكلية اللاهوت
(الأديان) بجامعة لايدن لتدريس الفقه والمذاهب والتيارات الفكرية
الإسلامية وعلاقة المسلمين بالدول الأوروبية.
وقال "فان كونينجسفيلد":
إنه مهتم بإدماج المذاهب والأفكار الإسلامية في نظام التعليم الجامعي في
هولندا، مشيراً إلى طموحه أن يصل الطلاب في دراساتهم عن وضع الإسلام
والمسلمين في الغرب إلى درجة عالية من فهم الخلفيات الفكرية للأقليات
الإسلامية في أوروبا.
بلجيكا وأسبقية التدريس
***************وقد
حقق التعليم الإسلامي في بلجيكا أسبقية واضحة على المستوى الأوروبي، إذ
يجري تدريس الدين الإسلامي لكل المراحل في المدارس العامة منذ ثلاثة عقود،
وتُتاح للتلاميذ المسلمين فرصة تعلّم مبادئ دينهم لمدة ساعتين أسبوعياً،
وذلك باللغة الفرنسية في إقليم "والوني" وباللغة الهولندية في إقليم
"فلاندرن"، وبدورها تتولى الدولة دفع رواتب مدرسي الدين الإسلامي الذين
يزيد عددهم على سبعمائة معلّم ومعلمة؛ إلا أن إجمالي حصة المسلمين من
النفقات الرسمية على الشؤون الدينية لا يتجاوز في حقيقة الأمر 3.5 %.
واستناداً
إلى دراسة جديدة أعلن "مركز الأبحاث السياسية الاجتماعية" في بروكسل عن
نتائجها في نهاية أبريل 2001م، أن قرابة 80 % من هذه النفقات تصب لصالح
الكنيسة الكاثوليكية، فيما يبلغ نصيب الكنيسة البروتستانتية منها 3.2 %،
وأما الديانة اليهودية فلم تتجاوز حصتها 0.6 % من إجمالي النفقات، تلتها
الكنيسة الأرثوذكسية بنسبة 0.4 %، فالكنيسة الإنجيليكانية بنسبة 0.1 %،
كما يلاحظ أنّ مذاهب أخرى قد حازت بمجموعها 13 % من هذه الأموال.
وبالتالي
فإن هذه التوزيعات تكشف عن حجم الاستئثار الذي تتمتع به الكنيسة
الكاثوليكية في البلاد بموجب الرصيد التاريخي لها في بلجيكا، إلى جانب
استحقاقات الاتفاق الذي ينظم العلاقة بين بروكسل والكرسي الرسولي.
وإذا
كانت معظم هذه النفقات الرسمية على هيئة أجور ومكافآت وضمانات اجتماعية
لموظفي الهيئات الدينية؛ فإنّ الدراسة تؤكد أن الدولة لم تقرر من جانبها
بعد دفع أجور أئمة وموظفين تابعين لنحو 126 مؤسسة إسلامية في بلجيكا، وهو
ما يثير مشاعر الغبن في أوساط المسلمين.
ويبلغ نصيب الحصة الدينية
الإسلامية من إجمالي نفقات الدولة على التعليم الديني والأخلاقي 7 %، فيما
تحوز الكنيسة الكاثوليكية 70 % من هذه النفقات، وبينما تقتطع الحصة
الدينية البروتستانتية في المدارس 4.5 % من النفقات، فإنّ 20 % منها
بالمقابل مخصصة لحصة الأخلاق.
وإلى جانب تعليم الدين الإسلامي لأبناء
المسلمين في المدارس العامة البلجيكية؛ يتولى عدد من المدارس الخاصة
الإسلامية والعربية توفير فرص التعليم لأبناء المسلمين، وخاصة في المراحل
المدرسية الأولى، وتبرز من بينها مدرسة الغزالي ب"بروكسل"، ومدرسة ابن
خلدون ب"لياج".
ولا تقف تطلعات مسلمي بلجيكا عند حد التعليم الأساسي،
إذ بادروا بمساعٍ عملية لتوفير فرص التعليم العالي الإسلامي لأجيالهم
الصاعدة إذ افتُتحت عام 1997م في العاصمة بروكسل "الأكاديمية الأوروبية
للثقافة والعلوم الإسلامية"، التي يلتحق بها قرابة مائتي طالب وطالبة ضمن
برنامج يتوزع على 15 ساعة أسبوعياً.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منقوول
.