بسم الله الرحمن الرحيم
أدلة القرآن والسنة: على شهادة التوحيد
[دليل إجابة الدعاء].
الحمد لله القائل : )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ([غافر:60].
الحمد لله الذي جعل الشمس سراجا، والقمر نور، أنزل القرآن كلاما معجزاً، ناطقا بالبينات والحجج، والبراهين، شاهد على وجود الخالق العظيم سبحانه من عزيز كريم، فيه من الآيات الواضحات البينات الدالات على وجود السميع البصير، مجيب دعوة المضطرين، ومغيث الملهوفين سبحانه من رب رحيم.
والأدلة على توحيد الحق وتبارك وتعالى أكثر من أن تحصى ، فكل خلق من خلقه علامة ودليل عليه سبحانه والقرآن الكريم كلام رب العالمين، هو كتاب التوحيد المسطور قد امتلآ في الدلالة على شهادة التوحيد
وتنوعت أساليبه وطرقه في الدلالة على شهادة أن لا إله إلا الله ، نقف اليوم إن شاء الله تعالى مع بعضها، ولعل من جملتها و أهمها دليل إجابة الدعاء على وجود الخالق سبحانه وتعالى، وقبل الحديث عن هذا الدليل نعرج على تعريف الدعاء عند أهل اللغة والاصطلاح.
تعريف الدعاء:
الدعاء في لغة العرب:
الدعاء أصله من دعا يدعو دعاء ودعوى، وهو واحد الأدعية لأن أصله من دعوت إلا أن الواو لما جاءت بعد الإلف همزت وتقول للمرأة أنت تدعين.
والدعاء: الرغبة إلى الله عز وجل، قال في تاج العروس: والدعاء: بالضم الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير والابتهال إليه بالسؤال ومنه قوله تعالى
ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً( [ الأعراف:55],(1), ودعوت فلان إذا صاح به واستدعاه، والدعوة المرة الواحدة، والدعاء أيضاً: بمعنى النداء يقال في ذلك: دعا الرجل الرجل إذا ناداه.
وإجابة الدعاء: إعطاء السائل مسؤوله(2).
والدعاء في الشرع:
تعددت العبارات عند أهل العلم في تعريف حقيقة الدعاء، وان كان المعنى المقصود واحد.
فقد ذكرنا ما حكاه في تاج العروس بأن معنى الدعاء الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير والابتهال إليه بالسؤال.
وقال الطيبي: هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له(3).
وقال المناوي: هو لسان الافتقار بشرح الاضطرار.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: حقيقة الدعاء مناداة الله تعالى لما يريد من جلب منفعة، أو دفع مضرة من المضار والبلاء بالدعاء(4), وقيل: طلب كشف الغمة بتطلع موضع القسمة(5).
وخلاصة هذه التعريفات يمكن القول: بأن الدعاء هو اللجوء إلى الله عز وجل، والاستعانة به، ومناداته لجلب الخير والنفع، ودفع الشر والأذى.
معاني الدعاء في القرآن الكريم:
لفظ الدعاء في القرآن الكريم ورد على وجوه متعددة فناسب أن نتحدث بشكل موجز عن هذه الوجوه باعتبار أننا نتحدث عن هذا الدليل في القرآن الكريم.
فالدعاء والدعوى تأتي بمعنى العبادة: قال تعالى: )وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ( [ يونس:106], فالدعاء هنا بمعنى العبادة فلا تعبدون من دون الله من لا يملك لكم الضر والنفع.
وبمعنى الاستغاثة: قال تعالى: )وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ([الأنعام:150].
وبمعنى السؤال قال سبحانه: )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ( [غافر:60].
وبمعنى القول: )دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( [ يونس:10].
ويأتي بمعنى النداء
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً([الإسراء:52].
وبمعنى الثناء كقوله تعالى: ) قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى( [ الإسراء:110].
وقوله
وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ( [ يونس:10], فالدعوى هنا بمعنى الثناء والتعظيم والتمجيد(6).
وهناك معاني كثيرة وردت في ذلك تنظر في مضانها، والمقصود التمثيل والإشارة.
الدليل العملي:
دليل إجابة الدعاء، وإغاثة المستغيث هو الدليل العملي الدال على وجود الخالق عز وجل، المطلع على كل شيء, العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء فالإنسان إذا أصيب بمصيبة وتخلفت عنه كل أبواب النجاة يجد نفسه يلهث بالدعاء لم بيده كل شيء ، القادر على كل شيء حتى ولو كان المستغيث كافر معرض عنه، هذا الشعور الذي يشعر به كل إنسان عندما يدعو ربه، ويستغيث به هو الدليل العملي الدال على وجود الخالق لهذا الكون المتصرف فيه سبحانه وتعالى, (فمن أراد صدق وجود الله ووحدانيته في ربوبيته فليدعه صادقاً من أعماق قلبه، لأمر من أموره التي ألجأته فيها الضرورة، فانه سيجد الله عز وجل قد سارع إلى إجابة دعائه، فإذا كان في شدة شديدة ، أو في ضرورة ملحة، أو في مأزق حرج فليدعُ الله، فإنه سيجيب دعاءه، ليقيم له برهاناً تجريبياً على أنه حق لا شك فيه، يسمع نداءه الخفي، ويعلم سره وعلانيته، وأنه على كل شيء قدير)(7).
بل هو من أعظم الأدلة فهو في متناول كل إنسان باحث عن الحق فهو ميدان مفتوح لكل إنسان صادق في البحث عن الدليل الذي يورثه الطمأنينة بان الله حق.
والقرآن الكريم قد ذكر هذا الدليل في مواطن كثيرة نذكر طرفاً منها:
قال تعالى: )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ( [البقرة:186].
قال ابن جرير: وإذا سألك يا محمد عبادي عني: أين أنا ؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم وأجيب دعوة الداعي(
.
والسؤال هنا يحتمل أن يكون عن البعد والقرب، ويحتمل أن يكون عن إجابة الدعاء، ويحتمل أن السؤال عما هو أعم من ذلك، وهذا هو الظاهر مع قطع النظر عن السبب كما يقول الإمام الشوكاني رحمه تعالى(9).
والمقصود أن حصول الدعاء من العبد وحصول الاستجابة من الرب تبارك وتعالى دليل على وجوده سبحانه وتعالى وانه سميع مجيب الدعوات.
وقال تعالى
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ([ النمل:62].
في هذه الآية التي جاءت ضمن جملة من الآيات التي ساقها الحق تبارك وتعالى في التدليل على وجوده سبحانه وتفرده بالوحدانية والربوبية وخطأ من جعل معه إله آخر، ففي هذه الآية يبين الحق تبارك وتعالى أنه هو المدعو عند الشدائد دون ما سواه, يقول ابن كثير: ( ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد المرجو عند النوازل كما قال تعالى
وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً( [ الإسراء:67]. وقال تعالى: ) ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ( [ النحل:53], وهكذا فقال ههنا: ) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ( أي من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه(10).
ويقول ابن عاشور: ( ارتقى الاستدلال من التذكير بالتصرف الرباني في ذوات المخلوقات إلى التذكير بتصرفه في أحوال الناس التي لا يخلو عنها أحد في بعض شؤون الحياة، وذلك حال الاضطرار إلى تحصيل الخير وحال انتياب السوء وحال التصرف في الأرض ومنافعها, فهذه ثلاثة الأنواع لأحوال البشر، وهي: حالة الاحتياج وحالة البؤس، وحالة الانتفاع )(11).
والحاصل أن هذه الأحوال الثلاث لا يخلو منها أي إنسان في شؤون حياته، وأن الحق تبارك وتعالى هو وحده دون ما سواه المجيب للإنسان في جميع هذه الأحوال فهو الذي يكشف الكروب، ويزيل الهموم سبحانه.
(ولا شك أن حصول إجابة دعوة المضطر، وكشف الكرب عنه بعد رفع يديه إلى السماء، واستغاثته بخالقه، من أعظم الأدلة على وجود رب قادر سميع بصير، رؤوف رحيم بعباده، فإن اقتران الإجابة بالدعاء وحصول عين المدعو له، دليل حسي صريح على وجود السميع المجيب، وليس من شروط صحة هذا الدليل الإجابة في كل حاله وتكفي الإجابة في بعض الحالات، لأنه قد توجد موانع من حصول الإجابة)(12) .
والمقصود أن المضطر إذا دعا لتحصيل ما اضطر إليه فإنه لا يجيبه إلا الله، فهو الدليل العملي الحسي الدال على وجود الحق تبارك وتعالى، الذي يلجأ إليه كل بر وفاجر.
منقول