alhamdullah.alafdal.net
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجى التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدى
alhamdullah.alafdal.net
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجى التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدى
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدى
alhamdullah.alafdal.net
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

alhamdullah.alafdal.net


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
تصويت
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 34 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 34 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 3184 بتاريخ الأحد يناير 01, 2017 6:01 am
المواضيع الأخيرة
» عدنا والعود احمد
رجالات  الاسلام Emptyالأربعاء سبتمبر 25, 2019 11:57 pm من طرف عطر المساء

» سيرة رسولنا الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم
رجالات  الاسلام Emptyالسبت أبريل 15, 2017 12:40 pm من طرف عطر المساء

» الرسم على الجدران
رجالات  الاسلام Emptyالسبت أبريل 15, 2017 12:37 pm من طرف عطر المساء

» رساله شهر رمضان
رجالات  الاسلام Emptyالسبت أبريل 15, 2017 12:35 pm من طرف عطر المساء

» اهلا رمضان
رجالات  الاسلام Emptyالسبت أبريل 15, 2017 12:31 pm من طرف عطر المساء

» الصراحه الفتاة رفعت ضغطي وانا بقرأ
رجالات  الاسلام Emptyالجمعة نوفمبر 25, 2016 12:09 am من طرف عطر المساء

» دعاء الشرب من ماء زمزم
رجالات  الاسلام Emptyالجمعة نوفمبر 25, 2016 12:07 am من طرف عطر المساء

» قصيده لمظفر النواب عن فلسطين
رجالات  الاسلام Emptyالجمعة نوفمبر 25, 2016 12:06 am من طرف عطر المساء

» محاضره ابكت الملايين لنبيل العوضي
رجالات  الاسلام Emptyالأربعاء نوفمبر 23, 2016 11:30 pm من طرف ماجد الشرفاء


 

 رجالات الاسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأربعاء فبراير 10, 2010 6:00 am



1-سعد بن أبي وقاص – رضى الله عنه -

نقفُ اليوم مع صَحَابِي من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين سطَّروا أمجادًا وبطولات يَعجز المرءُ عن إتمامها، ويعجز العقل عن نسيانها، ويعجز اللسان عن نكرانها، مع صَحَابي كان لا يعرف الحقدَ والشحناء والبغضاء، إنما قلبه عامرٌ بالمحبَّة والإيمان والتقوى.

هذا الصحابي نزلت في حقِّه آياتٌ تتلى إلى أن يرثَ الله الأرض ومن عليها؛ {
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8].

هذا الصحابي في ذات يوم قَدِمَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بين أصحابه، فحيَّاه وداعبه، قائلاً: ((هذا خالي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَه))؛ أخرجه الترمذي.

قال علي - رضي الله عنه -: "ما سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَجْمَعُ أبوَيه لأَحَدٍ غَيْرِ هذا الصحابي، قَالَ له يومَ أُحُدٍ : (( ارْمِ فَدَاكَ أَبِي وأُمِّي))".

هذا الصحابي كان يلقِّبـه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، والصحابة -رضي الله عنه - (الأسد في براثنه).

إنه الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشَّرين بالجنة.

أيها المسلم:
إن حياة سيدنا سعد حافلةٌ بالأمجاد والبطولات، ومليئة بالعِبَر والعِظَات التي تنفع المسلمين في هذا الزمان، وأنا لن أتكلمَ عن سيرته بصورة تفصيليَّة، إنما سأقف وقفاتٍ قصيرة، وأعيش معه لحظاتٍ قليلة.

فسيدنا (
سعد) في بداية إسلامه مرَّ ببلاءٍ عظيم، وبامتحان صعب مع أقرب الناس إليه، وهي أمُّه، فيومَ أن دخل الإسلام إلى قلبه وعَلِمَت به أمُّه، وقفت بوجهه، وأرادت أن ترجعه إلى دين آبائه وأجداده، إلى عبادة الأصنام والأحجار التي لا تضرُّ ولا تنفع.

سعد يثبت أمام الموقف الصعب:
واسمع إلى الحوار الذي دار بين سيدنا سعد وأمِّه، قالت له: يا سعد لقد سمعت أنك أسلمت ودخلت في دين محمد الجديد، قال لها: نعم يا أمَّاه، قالت: ولقد سمعتُ بأن محمدًا يأمركم بأن تكونوا طائعين لأمهاتكم، قال لها: نعم، قالت له: إذًا أنا أمُّك، وآمرك بأن تكفر بمحمدٍ وبآل محمد، فقال لها: يا أمَّاه والله لا يكون ذلك، وحاولت معه، لكنَّه رفض طلبها.

فعندما رأتْ منه الإصرار وعدم الاستجابة لها، لجأت إلى وسيلة لم يشك أحدٌ في أنها ستهزم روحَ سعـد، وتردُّ عزمه إلى وثنية أهله وذويه، لقد أعلنت أمُّه صومها عن الطعام والشراب، حتى يعودَ سعد إلى دِين آبائه وقومه، ومضت في تصميم مُستميت تواصلُ إضرابها عن الطعام والشراب، حتى أشرفت على الهلاك، كلُّ ذلك وسعد لا يبالي، ولا يبيعُ إيمانه ودينه بشيءٍ، حتى لو كان هذا الشيءُ حياة أمِّه.

ثم أخذه بعضُ أهله إليها؛ ليُلقي النظرة الأخيرة عليها، مؤمَّلين أن يرقَّ قلبه حين يراها في سكرات الموت، وذهب سعد ورأى مشهد أمِّه يذيب الصَّخر، بيـد أن إيمانه بالله وبرسوله كان قد تفوَّق على كلِّ صخرٍ، وعلى كلِّ فولاذٍ.

ويأتي سيدنا سعد إلى أمِّه، وينظرُ إليها وهي في لحظاتها الأخيرة، فنظر إليها وأطال النظر، وظن أقرباؤه أنه سيتراجع عن إسلامه؛ لأن أمه ستموت، والله إنه لموقفٌ صعبٌ لا يثبت أمامَه إلا الصادقون.

فاقترب من وجه أمِّه، وصاح بها لتسمعه: "تعلمين والله يا أمـه، لو كانت لك مائةُ نفس، فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني هذا لشيءٍ، فكُلِي- إن شئت - أو لا تأْكُلي".

ومباشرةً يرجع إلى معلِّمه - صلى الله عليه وسلم - وقبل أن يتكلَّم سيدنا سعد، قال له المصطفى- صلى الله عليه وسلم -: ماذا فعلت مع أمِّك يا سعد؟ لقد أنزل الله فيك قرأنًا يُتْلى إلى يوم القيامة: {
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8].

هذه هى ثمرةُ الصدق والثبات على المبدأ، فليت البائعين لدينهم وعقيدتهم يتعلمون الثبات على المبدأ وعلى الدين من هذا الصحابي الجليل.

سعد لا يعرف الحقد ولا الشحناء:
سيدنا سعد كان رجلاً لا يعرف الحقدَ ولا الشحناء والبغضاء، بل كان قلبه مليئًا بالمحبَّة لكلِّ الناس.

كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين نَفَرٍ من أصحابه، فَرَنَا ببصره إلى الأفق في إصغاء من يتلقَّى همسًا وسرًّا، ثم نظر في وجوه أصحابه، وقال لهم: ((يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة))، وأخذ الصحابة يتلفَّتون؛ ليروا هذا السعيد، فإذا سعد بن أبي وقاص آت، وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص أن يدلَّه على ما يتقربُ به إلى الله من عبادة وعمل، فقال له: لا شيء أكثر مما نعمل جميعًا ونعبد، غير أني لا أحمل لأحدٍ من المسلمين ضغنًا ولا سوءًا".

نعم، هذه هي التي بلغت به تِلْكُم المنزلة، فرفعت قدره، وأعلت شأنه، إنَّ هذا الموعود بالنعيم والرضوان،لم يكن طويلَ القيام والصلاة، قد يُحتقر عمله ويُستقل، ولكنه كان يحمل قلبًا طاهرًا طهارة الماء العذب الزُّلال، نقيًّا نقاء الثلج والبرد، مشرقًا بنور الإخاء والمحبَّة، ساطعًا بضوء السلامة وحب الخير للناس، سليمًا من الحقد والغش والحسد.

كم من مريضِ قلبٍ، يتقطَّع حسرة وألمًا؛ لأن زيدًا ربح في تجارته، وعمرًا نجح في دراسته، وآخر بورك له في زواجه!
كم من الناس يعيش همًّا وغمًّا وعناءً وحُرْقةً، يتقلَّب على فراشه والغيظ يعتصره، يأكل معه الحسد ويشرب، وينام معه الكره والبغض ويستيقظ؛ لأن فقيرًا اغتنى، ومريضًا شفي، أو عقيمًا رزق!
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأربعاء فبراير 10, 2010 6:02 am


فأين المسلم الذي يتخلَّق بأخلاق سعد؛ كي يكون من أهل الجنة؟! أنا أقول لكلِّ مسلمٍ: إن استطعت أن تصبح وأن تُمسي وليس في قلبك حقد على أحدٍ، فافعل؛ فإن ذلك من سُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن أحيا سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معه في الجنة.

يا سعد، أطِبْ مطعَمَك تكن مستجاب الدَّعوة.

كان سيدنا سعد من الرجال الذين ابتعدوا عن أكل الحرام، ومن الذين تركوا الدنيا قبل أن تتركهم.

هذا قيس بن أبي حازم، وهو من كبار التابعين الذين اجتمعوا بالصحابة،
قال: "كنت في المدينة أطوف في السوق حتى بلغت أحجارَ الزيت، فلقيت أُناسًا مجتمعين، وإذا برجل راكبًا دابةً بينهم، فجاء سعد بن أبي وقاص، فقال: ما هذا؟، فقالوا: هذا رجل يشتم علي بن أبي طالب، فتقدم إليه فأفرجوا له، فقال سعدٌ: يا هذا، علام تشتمُ علي بن أبي طالب؟! ألم تعلم أنه أول من أسلم؟! ألم تعلم أنه أول من صلَّى مع رسول الله؟! وذكر حتى قال: ألم تعلم أنه خَتَنُ رسول الله؛ أي: صهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألم تعلم أنه صاحب راية رسول الله في غزواته؟! ثم استقبل القبلة ورفع يديه، فقال: اللهم إن كان هذا يشتم وليًّا من أوليائك، فلا تفرِّق هذا الجمع حتى تُريهم قدرتك، فساخت به دابته فوقع على هامته على تلك الأحجار، فانفلق دماغه فمات.

هكذا ينتقم الله - تعالى - ممن يشاء ممن يؤذي أولياءه وينتهك حُرُمَهم، وهذا الذي يؤذي الأولياء لا يأمن أن يصيبه الله - تعالى - قبل موته بمصيبة تقصم ظهره جزاءً له على فعله. وفي ذات يوم رأى رجلاً يسبُّ طلحة وعليًّا والزبير، فنهاه وقال له: هؤلاء رجال سبقت لهم من الله الحسنى، فلا تتكلم عليهم، ولكنه لم ينته عن سبِّه، فقال له: يا فلان، اترك سبَّهم وإلا دعوت عليك، فقال الرجل مستهزأً: أراك تتهددني كأنك نبيٌّ، فانصرف سعد وتوضأ وصلَّى ركعتين ثم رفع يديه، قائلاً: "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سبَّ أقوامًا سبقت لهم منك الحسنى، وأنه قد أسخطك سبُّه إياهم، فاجعله آيةً وعبرةً"، فلم يمضِ غير وقتٍ قصير حتى خرجت من إحدى الدُّور ناقةٌ لا يردُّها شيءٌ، حتى دخلت في زحام الناس وكأنها تبحث عن شخصٍ، وإذا بها تجد هذا الرجل الذي سبَّ الصحابة الكرام، فأخذته بين قوائمها، ومازالت تتخبَّطه حتى مات، وإذا بالناس يقولون لسعد: لقد استجاب الله دعوتك يا أبا إسحاق".

رُويَ في الصحيحين: أن أهل الكوفة شكوا سيدنا سعدًا إلى سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما- في كلِّ شيءٍ حتى قالوا: لا يُحسن يصلي، هذه شكوى باطلة بحقِّ سيدنا سعد بن أبي وقاص.

فأرسل سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أهل الكوفة يسألهم عن حال سعدٍ معهم، فجعل لا يسأل أهل مسجد إلا أثنوا خيرًا حتى مرَّ بمسجدٍ لبني عَبْس، فقام رجلٌ منهم يُقال له: أسامة بن قتادة، أما وقد سألتنا عن سعد، فأنا أجيبك: بأنَّ سعدًا لا يُحسن الصلاة، وأنه لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسويَّة، ولا يعدل بالقضيَّة، فبلغ سعدًا ما قاله أسامة، فكان سيدنا سعد يقول: أنا لن أدافع عن نفسي، بل سأرفع يَدَي إلى السماء، إلى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فقال: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا فيما يقول وقام مقامَ رياءٍ وسمعه، فأطلْ عمره، وأدمْ فقره، وعرضه للفتن".

وفعلاً عاش الرجل حتى بلغ من الكِبَر عتيًّا، وسقط حاجباه على عينيه،
وكان يقف في الطريق ويمدُّ يده للسؤال يطلب من الناس إحسانًا، وإذا مرَّت من أمامه امرأة غمزها بيده، فيقول له الناس: أيها الشيخ الكبير، ألا تستحي من الله وأنت تغمز النساء بيدك؟! فيقول لهم: ماذا أصنع؟! إنني شيخ كبير أصابته دعوة سعد.

هذه وقفات قصيرة عشنا فيها مع سيدنا سعد بن أبي وقاص،
فلتكن سيرته نبراسًا لنا ولأبنائنا؛ لنستنهض الهِمَمَ من جديد، ونعيد ضياء حضارتنا للعالمين، يا أبناء الإسلام، لا يلهينَّكم أحدٌ عن سِيَر أجدادكم العظام؛ ففيها عزُّكم ومجدكم وكرامتكم في الدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأربعاء فبراير 10, 2010 6:08 am

2- إمام أهل السنة أحمد بن حنبل

الحديثُ عن العظماء من العلماء ليس أمرًا سهلاً، فمهما اجتهدتَ لتستوعبَ حياة أحدهم فسيعجز قلمُك، ويقصر عِلمُك؛ بل قد يغيب عنك الأهمُّ دلالةً، والأبلغ تأثيرًا، سيرة العظماء من العلماء الأوائل هي القُدوة المُثلَى، وإبرازها تحفيزٌ لفتيانِنا وفتياتنا؛ للإفادة منها، ولئلاَّ يلتفتوا لقدوات هزيلة هابطة، لا وزنَ لها في الحياة، ولا قِيمة لها في التاريخ.


حديثنا عن العلماء ليس تعصُّبًا لأحد منهم، فكلُّ إنسان يُؤخذ منه ويُردُّ، إلاَّ المعصوم.



عظيمُنا أحدُ الأئمَّة الأعلام، ومِن الأفذاذ الذين قلَّما يجود الزمان بمثلهم، أحاط بالمجد من جميع أطرافه، وبَرَّز في كثيرٍ من العلوم، فهو عند المحدِّثين: إمامُهم، وعند الفقهاء: سيِّدُهم، وعند الحفَّاظ: أميرُهم، وعند الشجعان: رائدُهم، وعند الثابتين على الحق: قائدُهم، عالِمٌ لا كالعلماء، وعَلَمٌ لا كالأعلام، يُعدُّ بجدارة إمامَ القرن الثالث الهجري، فريدُ عصره، ونادرة دهْره، قَلَّ أن يجود الزمن بمثله - إنَّه إمام أهل السُّنَّة، الإمام أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله.



قال عنه الإمام الذهبي - رحمه الله -: "عالِم العصر، وزاهد الدهْر، ومحدِّث الدنيا، وعَلَمُ السُّنَّة، وباذل نفسِه في المحنة، قَلَّ أن ترى العيونُ مثلَه، كان رأسًا في العِلم والعمل، والتمسُّك بالأثر، ذا عقلٍ رزين، وصِدْقٍ متين، وإخلاصٍ مكين، انتهتْ إليه الإمامةُ في الفقه والحديث، والإخلاص والورع، وهو أجلُّ من أن يمدح بكلمي، أو أن أفوهَ بذِكْرِه بفمي".



وُلِد الإمام أحمد - رحمه الله - ببغداد، وتوفِّي أبوه وهو ابن ثلاث سنين، فكفلتْه أمُّه، ويُنسب إلى جدِّه لشهرته.



نشأ الإمام أحمد ببغداد، وتربَّى فيها تربيتَه الأولى، وشبَّ على حبِّ العِلم، واستمرَّ في طلب العلم بعزم صادق، حَفِظ القرآن، وأقبل على الحديث والأثر، حتى حفظ مئات الألوف من الأحاديث، وألَّف المسند في مدة ستِّين سَنة تقريبًا.



يقول عنه الإمام الشافعي - رحمه الله -: "خَرَجتُ مِنْ بَغْداد، فَمَا خَلَّفتُ بِها رَجلاً أَفْضلَ، ولا أَعْلَمَ، ولا أَفْقَهَ، وَلاَ أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ".



وقال ابنه عبدالله: قال لي أبو زُرعة: "أبوك يحفظ ألْفَ ألْفِ حديث"، فقيل له: وما يُدرِيك؟ قال: "ذاكرتُه فأخذتُ عليه الأبواب"، ويقول ابن الجوزيِّ عن الإمام أحمد: "كان - رضي الله عنه - شديدَ الإقبال على العِلم، سافَرَ في طلبه السفر البعيد، ووفر على تحصيله الزمانَ الطويل، ولم يتشاغل بكسْب ولا نِكاح حتى بلغَ منه ما أراد".



والعلماء لهم منزلةٌ عظيمة، ومكانةٌ رفيعة، فهم ورثة الأنبياء، والعلم تاجٌ يرفع مِن ذِكْر الإنسان ويُعلي قدرَه، وكم من أصيل النَّسب حطَّه الجهل! وكم من وضيع النسب رَفَعَه العِلم فوقَ جميع الناس!


الْعِلِمُ يَرْفَعُ بَيْتًا لاَ عِمَادَ لَهُ وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ


ويزداد فضلُ الإنسان ومكانته بزيادة عِلمه، والإمام أحمد - رحمه الله تعالى - جَمَع الأمرَيْن معًا، ممَّا جعل شيوخَه قبل تلاميذه يُقدِّرونه، ويُجلُّونه، ويحترمونه، ويبجِّلونه، ويقصدونه للسلام عليه.



عُرضتْ عليه الدنيا فأباها، والبدع فنفاها، كان صابرًا محتسبًا، وعلى نهْج الصالحين متبعًا؛ قال - جلَّ وعلا -: {وَجَعَلنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].



فبالصبر تُترك الشهوات، وباليقين تُدفع الشبهات؛ قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبرِ} [العصر: 3]، وكان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - زاهدًا قانعًا، وكان على قدم السلف الصالح سالكًا، فلم يقبل هدايا الخلفاء والسلاطين، قال إسحاق بن موسى الأنصاريُّ: "دَفَع إليَّ المأمون مالاً فقال: اقسمْه على أصحاب الحديث، فإنَّ فيهم ضعفًا، فما بقي أحدٌ إلاَّ أخذ، إلاَّ أحمد بن حنبل فإنَّه أبَى".



وكان يقول: "إذا ذُكِر الموت هان عليَّ كلُّ شيءٍ من أمر الدنيا، وإنَّما هو طعامٌ دون طعام، ولِباس دون لباس، وإنَّها أيَّام قلائل، ما أَعْدِل بالفقر شيئًا"، وكان يأكل مِن عمل يده، وإذا وجد خصاصةً كان يؤجِّر نفسه للحمل في الطريق، وعن زهده قال صالح بن أحمد: "ربَّما رأيتُ أبي يأخذ الكِسَر، ينفض الغبارَ عنها، ويصيرها في قصْعَة، ويصبُّ عليها ماءً، ثم يأكلها بالمِلْح، وما رأيته اشترى رمَّانًا ولا سَفَرْجَلاً ولا شيئًا من الفاكهة، إلاَّ أن تكون بطيخة - فيأكلها بخبز - وعنبًا وتمرًا".



وقال ابنه عبدالله: كان أبي أحرصَ الناس على الوحدة، لم يرَه أحدٌ إلاَّ في المسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض، وكان يكره المشيَ في الأسواق، ولا يدع أحدًا يتبعه، وتلك والله مقاماتُ العظماء، ومناهج العلماء الأتقياء.



وعن شدَّة خوفه من ربه - جل وعلا - قال المَرُّوذيُّ:
"كان الإمام أحمد إذا ذُكِر الموت خنقتْه العَبْرةُ، وكان يقول: الخوفُ يمنعني أكْلَ الطعام والشراب"، قال ابنُه عبدالله: "دخلتُ عليه يومًا من الأيَّام في غرفة مظلمة، فوجدتُه متربعًا يبكي، فقلت له: يا أبي، ما شأنك؟ لِمَ تجلس هذه الجِلْسة وتبكي؟ قال: يا بني، أتفكَّر في القبر وأهواله، أتفكر في اليوم الآخِر.

فقلت: يا أبي، هلاَّ اتكأت؛ أي: أنت رجل كبيرٌ في السِّنِّ، هلاَّ استندتْ على الحائط؟ قال: أستحي أن أناجِيَ ربِّي وأنا متكئ".



وكان من شدَّة ورعه - رحمه الله - أنَّه لا يُحدِّث إلاَّ في كتاب خشيةَ الزلل، مع قوَّة حافظته، وشدَّة عارضته، ولا يسمح بتدوين فتاواه، ولا يرى تأليفَ الكتب تقوىً وورعًا منه - عليه رحمة الله - قيل: إنَّه لسعة علمه أجابَ عن ستين ألف مسألة بـ "قال الله، وقال رسوله، وفتاوى الصحابة - رضي الله عنهم".



وعن عبادته:

فقد صحَّ عنه بأسانيد، أنَّه كان يصلِّي في كلِّ يوم ثلاثمائة ركعة، قال ابنه عبدالله: فلَّما جُلِد كان يصلِّي مائة وخمسين ركعة.



ويقول الإمام ابن الجوزي - رحمه الله -: سمعتُ أبا عصمة بن عاصم البيهقيَّ يقول: بتُّ ليلةً عند أحمد بن حنبل، فجاء بالماء فوضَعَه، فلمَّا أصبح نظر إلى الماء، فإذا هو كما كان، فقال: سبحان الله، رجلٌ يطلب العِلم لا يكون له وِردٌ من الليل!!



وكان - رحمه الله - سليمَ القلب، يعفو عمَّن أساء إليه، أغلظ له رجلٌ الكلام، وترَكَه مغاضبًا، ثم عاد إليه نادمًا، وقال له معتذرًا: "يا أبا عبدالله، إنَّ الذي كان مني على غير تعمُّد، فأنا أحبُّ أن تجعلني في حلٍّ، فقال الإمام أحمد: "ما زالتْ قدماي من مكانها حتى جعلتُك في حلٍّ".



وأمَّا حياته الأسريَّة، فلم تشغلْه همومُ العلم والدعوة والإصلاح والجهاد عن أسرته، وحسن العشرة لأهلِه وزوجه، يقول الإمام أحمد - رحمه الله -: تزوجتُ أمَّ صالح، فأقامت معي ثلاثين سَنَة، فما اختلفتُ أنا وهي في كلمة واحدة.



ولعلَّ أعظمَ مِحنة وفتنة تعرَّض لها الإمام أحمد - رحمه الله - هي مِحنةُ خَلْق القرآن، استطاع المعتزلةُ خلالها التسللَ إلى قلْب المأمون، وأقنعوه بمسلكهم الفلسفيِّ في التفكير الذي نتج عنه إنكارُ صفات الخالق - سبحانه وتعالى - ومِن بينها صِفة الكلام، ومِن ثَمَّ دعوة المأمون العلماء إلى القول بخَلْق القرآن.
وأراد المأمون أن يحملَ النَّاس على ذلك، إلاَّ أنَّ الإمام أحمدَ بن حنبل - رحمه الله تعالى - أبى واستعصم، وثَبَت على الحقّ، في الوقت الذي تراجع فيه كثيرٌ من أهل العِلم عن قول الحقّ.




فتصدَّى لهذا التيار الإمامُ أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - وابتلي في هذه المِحنة، فَثَبَت على نَهْج الكتاب والسُّنة، وما عليه سلف الأمَّة في التوحيد والصفات وإنزال القرآن، حتى أوذيَ وامتُحن، فصبر وصابر، ولم يتزحزحْ عن قول الحقِّ، حتى رُبِط موقفُه في محنته بموقف الصِّدِّيق - رضي الله عنه.



يقول عليُّ بن المديني: لقد أعزَّ الإسلام برجلين، بأبي بكر يوم الفتنة، وبأحمد بن حنبل يوم المِحْنة.



ولاقَى مِن العذاب ما لاقَى، صابرًا محتسبًا، مدافعًا عن عقيدة أهل السُّنة والجماعة، وقف الإمام أحمد هذا الموقفَ في الوقت الذي أحجَم فيه عامَّةُ العلماء عن الحقّ، وصَدَق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حينما قال في حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: ((لا تزالُ طائفةٌ مِن أمَّتي ظاهرين حتى يأتيَهم أمر الله وهم ظاهرون)).



وقد حُبِس وعُذِّب وقُتِل في هذه المحنة خلْقٌ كثير، وصارت هذه المحنةُ هي الشغلَ الشاغل للدولة والناس، خاصَّتِهم وعامَّتِهم، وأصبحتْ حديثَ مجالسهم، وأنديتهم وحاضرتهم وباديتهم، في العراق وغيره، كلُّ هذا بسبب ما أدخله المأمونُ على الناس من هذه العقيدة الفاسدة، والله حسيبه، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "ما أظنُّ أنَّ الله - تعالى - يغفل المأمون على ما أدخل على المسلمين".



وثَبَت في بادئ الأمر في بغداد أربعةٌ من العلماء، الإمام أحمد بن حنبل، ومحمَّد بن نوح، واثنان آخران ما لَبِثا أن تراجعَا، وقالا مثل ما قال الناس، وبقي الإمام أحمد ومحمَّد بن نوح.



ثم بعد ذلك أمر المأمون أن يُحمل له الإمام أحمد بن حنبل، ومحمَّد بن نوح، فأرسلاَ مقيَّدَين على بعير واحدة، فأمَّا محمد بن نوح فمات في أثناء الطريق قبلَ أن يصل إلى طَرَسُوسَ، حيث مقرُّ الخليفة المأمون، وبقي الإمام أحمد بن حنبل فدَعَا الله - عز وجل - في أثناء الطريق ألاَّ يُريَه المأمون، وألاَّ يجتمع به، فاستجاب الله - عز وجل - دعاء الإمام أحمد، فمات المأمون قبلَ أن يصلَ إليه الإمام أحمد.

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأربعاء فبراير 10, 2010 6:10 am

ويروى في كتب التاريخ أنَّه قبل وصول الإمام أحمد إلى طرسوس، جاءَه رسول مِن قِبَل المأمون في الطريق، فقال له: إنَّ الخليفة قد أعدَّ لك سيفًا لم يقتل به أحدًا، فقال الإمام أحمد: أسأل اللهَ أن يكفيني مؤونتَه، وما هي إلاَّ مدة قصيرة وإذا بالخبر يصل بوفاة المأمون، فأُعِيد الإمام أحمدُ إلى السجن مرَّة أخرى.



ثم تولَّى الخلافةَ بعدَ المأمونِ المعتصمُ، وكان المأمون قد أوصاه بتقريب ابن أبي دؤاد، والاستمرارِ بالقوْل بخلْق القرآن، وكان الإمام أحمد في السجن، وكانوا يُحضِرونه من السجن في كلِّ مرَّة، وكان جمعٌ من العلماء يناقشونه في خلْق القرآن، وكان الإمام أحمد يستدلُّ بالقرآن والسُّنة، ويقول لهم: "أعطوني دليلاً مِن كتاب الله أو سُنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وأعيد للسجن، وبعد المرَّة الثانية، وفي اليوم الثالث أُحضر الإمام أحمدُ من السجن، وأعيدتِ المناقشة، وكان المعتصم عند عقد مجلس المناظرة، قد بسط بمجلسه بِساطًا، ونَصبَ كرسيًّا جلس عليه، وازدحم الناس، كازدحامهم أيَّام الأعياد، وكان مما دار بينهم أن قال للإمام أحمد: ما تقول في القرآن؟ فقال: "كلام الله غيرُ مخلوق؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ} [التوبة: 6] قال: هل عندك حُجَّة غير هذا؟ قال: نعم، قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 1 - 2]، ولم يقل: خَلَق القرآن، وقال تعالى: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يــس: 1 - 2]، ولم يقل والقرآن المخلوق، فقال المعتصم: أعيدوه للحبس وتفرَّقوا.

فلمَّا كان مِن الغد، جلس المعتصم مجلسَه ذلك، وقال: هاتوا أحمدَ بن حنبل، فاجتمع الناس، وسُمِعتْ لهم ضجَّة ببغداد، فلمَّا جيء به وقف بين يديه، والسيوف قد جُرِّدت، والرماح قد ركزت، والأتراس قد نُصبت، والسِّياط قد طرحت، فسأله المعتصم: ما تقول في القرآن؟ قال: "أقول: غير مخلوق، واستدلَّ بقوله - تعالى -: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13]، قال: فإن يكنِ القوْل من الله - تعالى - فإنَّ القرآن كلام الله.



وأحضر المعتصم له الفقهاءَ والقضاة، فناظروه بحضرته ثلاثة أيَّام، وهو يناظرهم، ويظهر عليهم بالحُجج القاطعة، ويقول: "أعطوني دليلاً من كتاب الله، أو كلام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:"، فقال المعتصم: "قهَرَنا أحمد"، وتحدَّث الوشاة عنده من علماء السُّوء، أنَّه قد غلب خليفتين، فأخذتْه العِزَّة بالإثم، فشتمَه وهدَّده بالقتل، فقال الإمام أحمد: "يا أمير المؤمنين، إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يَحِلُّ دمُ امرئ مسلِم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث))، فبِمَ تستحلُّ دمي، وأنا لم آتِ شيئًا من هذا يا أمير المؤمنين؟ تذكَّر وقوفَك بين يدي الله - عز وجل - كوقوفي بين يديك"، فلمَّا رأى المعتصم ثبوتَ الإمام أحمد وتصميمه لاَنَ، فخشي ابن أبي دؤاد من رأفتِه عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن تركتَه قِيل: إنَّك تركت مذهب المأمون، أو أن يقال: غلب خليفتَين، فهاجَه ذلك، ثم أعيد إلى السجن مرَّة أخرى، وأخرج في رمضان وهو صائم، وجعلوا - والعياذ بالله - يضربونه، وأتى المعتصم بجلاَّديِن، كلما ضَرب أحدُهم الإمامَ أحمد سوطين، تأخَّر وتقدَّم الآخَر، والمعتصم يحرِّضهم على التشديد في الضَّرْب، وهو يقول: شدُّوا عليه قطع الله أيديَكم، يقول واحد ممَّن جلده: والله الذي لا إله إلاَّ هو: لقد جلدتُ الإمام أحمد بن حنبل جلْدًا لو جلدتُه بعيرًا لَمَات، كان يأخذ العصي مثل الخيزران ويبرد في الماء، ثم يجلد الإمام حتى يسيلَ دمُ الإمام أحمد في الأرض.



ثم نزل المعتصمُ من كرسيه، وجاء للإمام أحمد، وهو يقول له: قلْ بما قلتُ لك بأنَّ القرآن مخلوق، فيقول الإمام أحمد: "أعطوني دليلاً من كتاب الله، أو سُنَّة رسوله حتى أقولَ به".



بعد ذلك جرَّدوه مِن ثيابه - رحمه الله تعالى - ولم يبقَ عليه إلاَّ إزارُه، وصاروا يضربونه حتى يُغمَى عليه، فيُفيق، ثم يُعاد عليه الكرَّة يقول الإمام أحمد: "فذهَبَ عقلي عندَ ذلك، فلم أفق إلاَّ وقد أُفرِج عني، ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فحضرتْ صلاة الظهر، فصليت، فقالوا: صليتَ والدمُ يسيل منك؟ فقلت: قد صلَّى عمر - رضي الله عنه - وجُرْحه يَثعُب دمًا، ثم نُقِل بعد ذلك إلى بيته، وهو لا يقدر على السَّيْر من شدَّة ما نزل به - رحمه الله تعالى.



فلمَّا مكث مدَّة من الزمن في بيته، وبرئتْ جراحُه، وقوي جسمُه، خرج إلى المسجد، وصار يدرِّس للناس، ويملي عليهم الحديث، ولم يمنع من ذلك حتى توفِّي المعتصم، رحم الله الإمامَ أحمد، وأجزلَ له مثوبتَه، وجزاه الله عنَّا وعن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء.





.


عدل سابقا من قبل um_okba في الأحد فبراير 28, 2010 6:00 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالثلاثاء فبراير 16, 2010 6:17 am

سيف الله المسلول: خالد بن الوليد رضيَ الله عنه




ليست سيرةُ أبي بكر، ولا سيرة عمر، وليست سيرةُ سعد وخالد وأولئك الأبطال العظماء إلا فصولاً متشابهة، أو نسخًا مكرَّرة من سيرة المعجزة الكبرى في تاريخ البشر.. سيرة الانبعاث الأعظم لقوى الخير في الإنسان، سيرة الفتح الذي حيَّر نوابغ القُوَّاد، وأعلام المؤرِّخين.. سيرة الجندي الذي كان منزويًا وراء الرمال، نائمًا في وهج الشمس، لا يعرف المجد إلا في الحب والحرب.. في كأس خمر أو قصيدة شعر، أو غزوة سَلْبٍ ونَهْب، فلما هذَّبته مدرسة الإيمان؛ صيَّرته الجندي الأكمل في تاريخ الحروب.

لم يعرف التاريخ جنديًّا أخلص منه لدينه، ولا أقدم منه إلى غايته، ولا يعرف نفسًا أطهر من نفسه، ولا سيفًا أمضى من سيفه. الجندي الذي مشى في كل وادٍ، وصعد كلَّ جبلٍ، خاض البحار، وعبر الأنهار، وجاب الأرض كلَّها حتى نصب للإسلام على كلِّ رابيةٍ رايةً، وأبقى للإسلام في كلِّ أرضٍ وطنًا لا تقوى على استلابه من أهله مِرْدَة الشياطين[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

هؤلاء هم صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم ورضيَ الله عنهم وأرضاهم - وهذا أحدهم: كان فارس الإسلام، وليث المشاهد، وقائدَ الجُنْد المجاهدين، هاجر مسلمًا في السنة الثامنة للهجرة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، فلقيه عمرو بن العاص في الطريق؛ فقال له: "إلى أين أبا سليمان؟ قال: أذهبُ والله أُسْلِمُ، إنه والله لقد استقام المَنْسَم - أي الطريق - إن الرجل لنبيٌّ ما أشكُّ فيه..."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

شهد مؤتة والفتح وحُنَيْنًا، وحارب أهل الرِّدَّة، وغزا العراق، وشهد حروب الشام، وهدم العُزَّى فلا عُزَّى بعدها. قاتل الأعداء من كلِّ الأجناس، وصارع الأبطال، وبارز الشجعان، ولم يبقَ في جسده قيدَ شِبْرٍ إلاَّ وعليه طابع الشهداء، ثم بعد ذلك ما مات إلا على فراشه! فلا نامت أعين الجبناء[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

لما استُشهد قادة جيش مؤتة: زيدٌ ثم جعفرٌ ثم ابنُ رواحة - رضيَ الله عنهم وأرضاهم - أخذ الرَّاية ثابتُ بن أَقْرَم؛ فقال: "يا معشر المسلمين، اصطلِحوا على رجلٍ منكم. قالوا: أنتَ. قال: ما أنا بفاعلٍ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد..."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

حمل خالدٌ الراية، وما معه إلا بقية ثلاثة آلاف، ويحيط به من العدو مئتا ألف، وليس في الدنيا قائدٌ يستطيع أن ينقذ هذه القبضةَ من الرجال من وسط هذا اللُّج، إلا أن يأتيَ بأعجوبة؛ وقد أتى بها خالد، واستطاع أن يخرج من لُجَّة البحر من غير أن يبتلَّ، وأن ينسحب من وسط اللهب من غير أن يحترق، وأن يسجِّل للذكاء العربي الذي هذَّبه الإسلام هذه المَنْقَبَة في تاريخ الحروب[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

لقد عمل خطةً أنقذ بها الجيش من الإبادة، شهد قادة الأعداء قبل الأصدقاء أن تاريخ الحروب لم يسجِّل مثلها؛ إذ كان يقاتل وهو يحتال للخلوص بالجيش من هذا المأزق المتضايق. وقتالُ الانسحاب شاقٌّ ومرهقٌ، لاسيَّما وخالد لا يريد إشعار الروم بالحفاظ على الجيش وسحبه.

ودخل الليلُ على المتحاربين فتوقف القتال، فأعاد خالد تنظيم قواته القليلة، فجعل مقدمتَه ساقته، وساقتَه مقدمتَه، وميمنتَه ميسرتَه، وميسرتَه ميمنتَه؛ فأنكر الأعداءُ ما كانوا يعرفون من رايات وهيئة المسلمين، وقالوا: قد جاءهم مددٌ؛ فرُعبوا، وكان هدفُ خالد مناوشتهم وإلحاقَ الخسائر بهم دون إدخال المسلمين في حرب عامة معهم، تكون خطرًا عليهم، واكتفى بذلك، ثم آثر الانصراف بمَنْ معه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وهذا العمل من خالد جعل النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسمِّيه سيف الله، ويطلق على الغزوة فتحًا؛ حيث قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((ثم أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم))؛ أخرجه البخاريُّ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا يَعْدِلُ به وبعمرو بن العاص في الحرب أحدًا منذ أسلما[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وأثنى عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((نِعْمَ عبدالله وأخو العشيرة خالد بن الوليد))؛ أخرجه أحمد والحاكم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وأثنى على عقله؛ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((قد كنتُ أرى لك عقلاً رجوْتُ ألاَّ يسلمكَ إلاَّ إلى خيرٍ)).

وهذا العقل الذي مُدِحَ به خالدٌ صنع الأعاجيب في الحروب، وأبرز العبقريَّات في الشَّدائد.

كان - رضيَ الله عنه - لا ينام ولا يُنِيمُ إلاَّ على تعبئةٍ، ولا يخفى عليه من أمر عدوِّه شيءٌ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومن عجائب ذكائه ودهائه في فتح الأنبار:

أن العدو حفروا خندقًا يمنع المسلمين الوصولَ إليهم، فما كان من خالد - رضيَ الله عنه - إلا أن أمر بالإبل فنُحِرَتْ، ثم ألقاها في الخندق، وجعلها جسورًا في الخندق المحفور، حتى وصل إلى العدو وفتح الأنبار[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

امتاز خالد - رضيَ الله عنه - في قيادة الجيش بحسن التنظيم، وسرعة الحركة، التي بَهَرَ بها عقول قادة الجيوش، العرب منهم والعجم؛ حيث انتقل بعشرة آلاف من الحِيرَة في العراق إلى الشام، مخترقًا الصحراء التي ليس فيها نقطةُ ماء، إلا ما حمله على ظهور الإبل، وما ابتكره من حمل الماء في بطونها؛ فحبس الإبل عن الماء حتى ظمأت، ثم أوردها عليه حتى ارتوت، ثم قطع شفاهها، فأصبح الماء في بطونها نقيًّا، ينحرون عددًا منها كل يوم؛ فيأكلونها ويشربون ما في بطونها من ماءٍ نقيٍّ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. كانت المسافةُ تقارب تسعمائة كِيلٍ، قطعها خالدٌ بجيشٍ جرَّارٍ في مدَّة لا تتجاوز خمسة أيام[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

إنَّ الواحد منَّا لو قطع هذه المسافة بعربته لاحتاج أن يرتاح من عناء سفره؛ ولكنَّ خالدًا وجيشه قطعها على ظهور الإبل تحت شمس الهاجرة، ووسط برد الليل، مع الجوع والعطش والخوف.

فلما وصل رأى أمامه جيشًا كثيفًا منَ الروم، وجيشًا أكثف منه يتجمَّع قريبًا منه، والمجموع مئتان وأربعون ألف مقاتل مدجَّجين بالسلاح، وجيشُ المسلمين لا يزيد على ستةٍ وأربعين ألف مقاتلٍ، سلاحهم ضعيفٌ، ومنزلهم بعيدٌ، والمدد عنهم منقطعٌ. فما شكا خالدٌ بعد رحلته تعبًا، ولا ابتغى راحةً؛ بل حمل التَّبِعَة كاملةً، وبادر إلى العمل، وجمع فصائل الجيش تحت قيادته، ونظَّمه فأحسن تنظيمه.

وعمد إلى الجيش الرُّوميِّ الأدنى، فضربه في أجنادين ضربةً أذهبت رَوْعَه، وأطارت صوابه، ومزَّقته شرَّ ممزَّقٍ.

ثم وَثَبَ إلى الجيش الآخر في اليرموك، ويوم اليرموك هو اليومُ الأغرُّ في سيرة خالد - رضيَ الله عنه - وهو من أيام الإسلام المعدودات[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، كسر فيه خالدٌ جيش الرُّوم القويِّ، وفرَّق شَمْلَه الكثيف، وولَّى الرُّوم مدبرين، ودخلت الشام في حظيرة الإسلام، بعد أن بكاها هرقل الروم وهو يقول: "عليكِ السَّلام.. سلامًا لا اجتماع بعده، ولا يعود إليكِ روميٌّ أبدًا إلاَّ خائفًا"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

فأين خالدٌ وجيشُه يرون الروم تصول وتجول في أرض الله، وتأمر وتنهى، وتعاهد وتغدر، وتقاطع مَنْ تشاء! وتضرب مَنْ تشاء! متى تشاء!! بكل أمنٍ واستعلاء، وتَغَطْرُسٍ وكبرياء!! ولا يمنعها أحدٌ، بعد أن أضاع الخَلَف كثيرًا مما كان عليه السَّلَف؟!! فالله المستعان.

لقد كان أعداءُ خالد - رضيَ الله عنه - يعلمون قوة إيمانه، ويدركون حدَّةَ عقلِه ودهائه، ألبسهم ثياب الهزيمة ثوبًا من بعد ثوب، وجرَّعهم كؤوس الذلِّ كأسًا من بعد كأس، وعرفه الروم حقَّ المعرفة.

وفي معركة الفِراض قال الروم لخالد: "إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم. فقال خالد: بل اعبروا إلينا. قالوا: فتنحُّوا حتى نعبر. فقال خالد: لانفعل، ولكن اعبروا أسفل منَّا. وعندئذٍ قالت الروم والفرس بعضهم لبعض: احتسبوا مِلْكَكُم، هذا رجلٌ يقاتل عن دين، وله عقلٌ وعِلْمٌ، ووالله ليُنْصَّرَنَّ ولنُخْذَلَنَّ، فعبروا أسفل من جيش خالد، فاقتتلوا اقتتالاً شديدًا حتى هزمهم خالد وجندُه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وفي معركةِ كاظِمة: نزل على غير ماءٍ، ثم أمر مناديه فنادى: "جالدوهم على الماء؛ فلعَمْري ليصيرنَّ الماء لأصْبَرِ الفريقَيْن، وأكرم الجندَيْن"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكان - رضيَ الله عنه - لا يعتبِر بالكَثْرة قدر اعتباره بالصبر والتنظيم والإقدام؛ فمن مأثورات قوله: "إنما تكثرُ الجنودُ بالنَّصر، وتقلُّ بالخِذلان، لا بعدد الرجال[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومع هذه القيادة والسِّيادة؛ لم يكن بذلك القائد الذي يوجِّه جنده ولا يُقْدِم، أو يخطِّط للمعركة ولا يقاتل؛ بل كان يستأثر دون جنده بالمخاطر، ويؤثرهم بالخير والأمان، ويحبُّ لهم ما يحبذُ لنفسه، وكان حبُّهم له يزداد كلما ازداد إقدامًا وبلاءً وشجاعةً، بدليل أن جندَه الذين قاتلوا معه المرتدِّين، وصاحبوه في قتاله في العراق والشام - عندما عادوا إلى العراق نسوا الفخر كله، إلاَّ فخرهم بأيامهم مع خالد - رضيَ الله عنه وأرضاه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ويكفي دليلاً على شدَّة بأسه وإقدامه أنه قاتل في مؤتة قتالاً مريرًا، حتى تكسرت تسعةُ أسيافٍ في يده، لولا أنَّ البخاريَّ أخرج ذلك في "صحيحه"؛ لما كان يُصَدَّق[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ويوم الوَلَجَة في حرب الفرس؛ جَبُن الناس عن فارسٍ كان يَعْدِلُ في الحرب ألف رجلٍ، فخرج إليه خالدٌ، فبارزه فصرعه.

وما جيشٌ قابلَ جيش خالدٍ إلاَّ كان مهزومًا، وما ذاق خالدٌ طعم الهزيمة، لا في الجاهلية ولا في الإسلام.

ولما وَلِيَ عمرُ الخلافة؛ خاف افتتان الناس بخالدٍ وانتصاراته، وعقله ودهائه؛ فعزله عن القيادة؛ ليُفْهِمَهُم أنَّ النصر منَ الله، وأنَّ الله ينصرهم بخالدٍ وبغير خالد؛ ليتَّكلوا على الله لا على بشرٍ، مهما سما وعلا شأنه. فأبى خالد إلا أن يضمَّ إلى انتصاراته العسكرية انتصاره على نفسه، فامتثل وأطاع، وصار جنديًّا تحت إمْرَة أبي عبيدة - رضيَ الله عنه - وقال قولته المشهورة: "إني لا أقاتل لعمر؛ ولكني أقاتل لربِّ عمر"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. فرضيَ الله عنه وأرضاه، وجعل الفردوس الأعلى مأواه.




فإن خالدًا - رضيَ الله عنه وأرضاه - لم يتخلَّف عن غزوةٍ منذ أسلم، وكان في طليعة جيوش المسلمين الجرَّارة، ومن أبرزهم حضورًا في المعارك الحاسمة، حتى شغله الجهاد عن كثرة قراءة القرآن. ونعم الشاغلُ الجهادُ في سبيل الله تعالى؛ قال قيس بن أبي حازم: "سمعت خالدًا يقول: منعني الجهادُ كثيرًا منَ القراءة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومع شجاعته وإقدامه، ورغم كثرة المعارك التي حضرها، والجراح التي أصابت جسده؛ حتى ما فيه موضعُ شِبْرٍ إلاَّ وفيه جرحٌ؛ فإن الله تعالى كتب له السَّلامة في حروبه، وقدَّر له أن يموت على فراشه.

يقول - رضيَ الله عنه -: "لقد حضرتُ مائة زحفٍ أو زهاءَها، وما في جسدي موضعُ شِبْرٍ إلاَّ وفيه ضربة أو طعنةٌ أو رميةٌ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت العَيْر؛ فلا نامت أعين الجبناء"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

لقد قويَ إيمانُه، حتى بلغ من قوَّته أنه أُشرب حبَّ الجهاد في سبيل الله تعالى وخدمة دينه، كان همُّه الأكبر الجهاد في سبيل الله، تعلق به قلبُه دون كلِّ محبوب، ولا أدلّ على ذلك من قوله: "ما من ليلة يُهدى إليَّ فيها عروسٌ أنا لها محبٌ، أحبَّ إليَّ من ليلةٍ شديدة البرد، كثيرة الجليد، في سريةِّ أُصَبِّح فيها العدو"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

فلله درُّ خالدٍ - رضيَ الله عنه وأرضاه - وهذا الشعور يملك عليه قلبَه، وتمتلئ به نفسُه، حتى يكون همُّه الأكبر الجهادَ في سبيل الله تعالى، وخدمة دينه.

وما تحطَّمت عروشُ كسرى وقيصر، وفتحت بلدانُ الشرق والغرب إلاَّ على أيدي رجالٍ كان هذا همُّهم، وذاك شعورهم. ولما تغيَّر ذلك الهمُّ في خَلَفِهم، وانحصر في الدنيا وحطامها؛ ذلُّوا وانهزموا، وهانوا واستُبيحوا، فهل من خالدٍ وأمثال خالدٍ يعود فيهم يومًا؟!

عن أبي وائل قال: لما حضرتْ خالدًا الوفاة قال: "لقد طلبتُ القتلَ مظانَّه، فلم يُقَدَّر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتُّها وأنا متترسٌ، والسماء تُهِلني، ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار". ثم قال: "إذا مِتُّ فانظروا إلى سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدَّةً في سبيل الله"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].


فلما توفِّيَ خرج عمرُ على جنازته وقال: "ما على آل الوليد أن يَسْفَحْنَ على خالد من دموعهنَّ، ما لم يكن نَقْعًا أو لِقَلْقَلَةٍ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ورضي الله عن خالد؛ لم يخلِّف تركةً وهو الذي فتح الفتوح، وهدم العروش، وغنم الغنائم، وحمل مثاقيل الذهب والفضة؛ لأنه قاتل لله تعالى لا للدرهم والدينار، ولا للعرش والسُّلطة التي يتقاتل الناس عليها، ويبذلون في سبيلها كلَّ شيء.

قال نافع: "لمَّا مات خالدٌ؛ لم يَدَعْ إلا فرسَه وسلاحه وغلامه؛ فقال عمر: رحم الله أبا سليمان، كان على غير ما ظنناه به"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وقال عمر لما مات خالد: "قد ثُلِمَ الإسلام ثَلْمَةً لا تُرْتَقُ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وقال: "كان والله سدَّادًا لنحور العدو، ميمون النَّقيبَة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ولقد كان - رضيَ الله عنه - جديرًا بمقولة أبي بكر - رضيَ الله عنه -: "عجز النساء أن يَلِدْنَ مثل خالد"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وصدق الصدِّيق - رضيَ الله عنه وأرضاه.

أيها الإخوة:

كانت تلك أجزاءٌ يسيرةٌ من سيرة هذا البطل الكرَّار، والقائد المِقدام، الذي عاش ستِّين سنة، قضى ما يقارب شطرها في الجهاد في سبيل الله تعالى، فرضيَ الله عنه، ورضي عن الصحابة أجمعين.

ا
.


عدل سابقا من قبل um_okba في الأحد فبراير 28, 2010 6:08 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالثلاثاء فبراير 16, 2010 6:20 am

سيرة حكيم الأمة أبي الدَّرْداء رضيَ الله عنه




الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإنَّ قراءة التاريخ، وتأمل سِيَرِ الغابرين، والاستفادةَ من علومهم وتجاربهم في الحياة؛ تنمِّي العقول، وتَصْقِل المواهب؛ ويكاد مَنْ فعل ذلك ألاَّ يخطئ أبدًا، وأن يكون الصواب والتَّوْفيق حليفه دومًا، ما دام مستضيئًا بنور الكتاب وهَدْي السُّنة النبوية؛ ذلك أنَّ الأحداث تتشابه، الصوابُ في حادثةٍ منها غالبًا ما يكون هو الصواب فيها كلِّها، والخطأ في واحدةٍ منها غالبًا ما يكون خطئًا فيها كلِّها. وما التاريخ إلا صُوَرٌ متكرِّرةٌ، وحـوادثُ متجددةٌ، تنتقل من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، والبشر حيالها يخطئون ويصيبون. لكن مَنْ قرأ تاريخ السابقين، ووقف على تجارِبهم؛ كان عنِ الخطأ بعيدًا، ومنَ الصواب قريبًا.

ومن هذا المنطلق؛ نحتاج إلى النَّظر في سِيَر الرِّجال وأحوال الماضين، لاسيَّما مَنْ ساروا على الطريق الصحيحة، ولم يحيدوا عنها قِيدَ أُنْمُلَة؛ حتى بلغوا المنزلة ونالوا الكرامة، رجال الصَّدر الأوَّل من هذه الأمَّة، الذين نشروا الإسلام، وصَدَقوا الوَعْد، وأوفوا بما عاهدوا؛ فرضيَ الله عنهم وأرضاهم، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

أيها الإخوة:

وهذه دروسٌ من حياة أحدهم، كان مشهورًا بالعقل والحكمة، موصوفًا بالزُّهد والعبادة. أصبحت أقواله منارًا للباحثين، وطريقًا للسالكين، أسلم وشَهِدَ أُحُدًا وما بعدها[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وأخذ القرآن عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان من كتَّاب الوحي[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. رحل في عهد عمر إلى الشام يعلِّم الناس القرآن[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ويُذْكَرُ أنَّه أوَّل مَنْ سَنَّ حلْقات تحفيظ القرآن، وجاء في بعض الروايات أنهم عدُّوا مَنْ في حَلْقَته، فإذا هم يزيدون على ألفٍ وستمائة قارئٍ يعلِّمهم القرآن[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ثم استعمل على القضاء؛ فكان أوَّل قاضٍ لدمشق، جاء الناس يهنئونه بالقضاء؛ فقال: "أتهنِّئوني بالقضاء، وقد جُعِلْتُ على رأس مَهْواةٍ مَزَلَّتُها أبعدُ من عَدَنَ أَبَيْنَ. ولو علم الناس ما في القضاء لأخذوه بالدُّوَل؛ رغبةً عنه وكراهيةً له، ولو يعلم الناس ما في الأذان لأخذوه بالدُّوَل؛ رغبةً فيه وحرصًا عليه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ذلكم أبو الدَّرْداء عُوَيْمرُ بنُ عامرٍ الأنصاريُّ الخزرجيُّ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، حكيم هذه الأمَّة كما في بعض المراسيل وأقوال السَّلف[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ثم كانت له أقوالٌ أكَّدت أن كلامَه كلامُ حكيم، قال - رضيَ الله عنه -: "كنتُ تاجرًا قبل أن يُبْعَث النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلما بُعِثَ محمَّدٌ؛ زاولتُ التجارة والعبادة؛ فلم تجتمعا؛ فأخذتُ العبادة وتركتُ التجارة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. فهو - رضيَ الله عنه - لما رأى أن التجارة تزاحم العبادة، ورأى من نفسه عدم القدرة على جمعهما؛ أقبل على الأفضل.

ومنَ الناس مَنْ يستطيع الجَمْع بينهما، كما كان أبو بكر - رضيَ الله عنه - تاجرًا عابدًا عالمًا، وكذلك عبدالرحمن بن عوف - رضيَ الله عنه.

فالميزان: القدرة على الجمع بينهما، فمَنْ كان قادرًا فذلك أفضل، ومَنْ لم يكن قادرًا؛ فالعبادة في حقِّه أفضل[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

كان أبو الدَّرْداء - رضيَ الله عنه - من علماء الصحابة وعبَّادهم، آخى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بينه وبين سلمان، فزار سلمانُ أبا الدَّرْداء، فرأى أمَّ الدَّرْداء متبذِّلة؛ فقال لها: ما شأنُكِ؟ قالت: أخوكَ أبو الدَّرْداء ليس له حاجةٌ في الدنيا. فجاء أبو الدَّرْداء، فصنع له طعامًا، فقال له: كُلْ. قال: فإني صائمٌ. قال سلمان: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل. قال: فأكل. فلمَّا كان الليل؛ ذهب أبو الدَّرْداء يقوم. قال: نَمْ. فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نَمْ. فلما كان من آخِر الليل قال سلمان: قُمِ الآنَ. فصَلَّيَا. فقال له سلمان: إن لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكر ذلك له؛ فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صَدَقَ سلمان))؛ أخرجه البخاريُّ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وأما عِلْمُهُ؛ فكما قال القاسمُ بن عبدالرَّحمن: "كان أبو الدَّرْداء منَ الذين أوتوا العلم"، وقال أبوذرٍّ لأبي الدَّرْداء: "ما حَمَلَتْ وَرْقاء، ولا أظلَّتْ خضراء - أعلم منكَ يا أبا الدَّرْداء"، ومن أجل علمه كان الناس محتاجين إليه، متزاحمين عنده، كما يُتزاحم على أبواب السلاطين. قال عبدالله بن سعيد: "رأيتُ أبا الدَّرْداء دخل مسجد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعه الأتباع مثل ما يكون مع السلطان، بين سائلٍ عن فريضة، وبين سائلٍ عن حساب، وبين سائلٍ عن شِعْر، وبين سائلٍ عن حديث، وبين سائلٍ عن معضلة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ثمَّ إنه كان مزكِّيًا لعلمه، يعلِّم الناس ويُقرئهم، وما أقبل الناس عليه إلاَّ لعلمه، ولأنه كان عاملاً بعلمه، فلا يَعْلَم شيئًا إلا عمل به على الفور. قال ابن إسحاق: "كان الصحابة يقولون: أتْبَعُنا للعلم والعمل أبو الدَّرْداء"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

لقد كان - رضيَ الله عنه - موصوفًا بالعقل والحكمة، حتى إن ابن عمر - رضيَ الله عنهما - يقول: "حدِّثونا عن العاقلَيْن؛ معاذٍ وأبي الدَّرْداء"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ولا أدلَّ على عقله وحكمته من أنه كان يُديم التفكُّر والاعتبار.

سُئلت أمُّ الدَّرْداء: "أيُّ عبادةِ أبي الدَّرْداء كانت أكثر؟ قالت: التفكُّر والاعتبار"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وكيف لا يكون دائم التفكر وهو القائل: "تفكُّر ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة"؟![ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

ومن حكمته - رضيَ الله عنه – ما رواه أبو قِلابة: "أنَّ أبا الدَّرْداء مرَّ على رجل قد أصاب ذنبًا، وكانوا يسبُّونه؛ فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قَلِيبٍ؛ ألم تكونوا مُسْتَخْرِجِيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبُّوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. قالوا: أفلا نُبْغِضُه؟ قال: إنما أبْغَضُ عمله، فإذا تركه فهو أخي"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وقال - رضيَ الله عنه -: "إني لآمركم بالمعروف وما أفعله، ولكن لعلَّ الله يأجرني فيه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكتب إلى خالد بن مسلم: "سلامٌ عليكَ، أمَّا بعد: فإنَّ العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه الله بغَّضه إلى عباده". ومن أقواله في العلم والتعلُّم قوله: "لنْ تكون عالمًا حتى تكون متعلِّمًا، ولا تكون متعلِّمًا حتى تكون بما علمت عاملاً. إن أخوف ما أخاف إذا وُقفتُ للحساب أن يُقال لي: ما عملت فيما علمت"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وخاطب الناس قائلاً: "ما لي أرى علماءَكم يذهبون، وجهَّالكم لا يتعلَّمون؟! تعلَّموا؛ فإن العالم والمتعلِّم شريكان في الأجر"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وجاءه رجلٌ فقال: أوصني: فقال: "اذكر الله في السَّرَّاء؛ يذكركَ في الضَّرَّاء، وإذا ذكرتَ الموتى فاجعل نفسكَ كأحدهم، وإذا أشرفتْ نفسُكَ على شيءٍ منَ الدنيا؛ فانظر إلى ما يصير"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومن وصاياه - رضيَ الله عنه - قوله: "اعبد الله كأنك تراه، وعدَّ نفسكَ في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلاً يغنيك خيرٌ من كثير يلهيك، وأن البِرَّ لا يبلى، وأن الإثم لا يُنسى"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومن حِكَمه في المال والغنى قوله: "أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون ونركب، ولهم فضولُ أموالٍ ينظرون إليها وننظر إليها معهم، وحسابها عليهم، ونحنٌ منها برآء"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقال: "الحمد لله الذي جعل الأغنياء يتمنُّون أنهم مثلنا عند الموت، ولا نتمنَّى أننا مثلهم حينئذٍ، ما أنصفنا إخوانُنا الأغنياء، يحبوننا على الدِّين ويعادوننا على الدُّنيا"![ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالثلاثاء فبراير 16, 2010 6:22 am

وحكمته - رضيَ الله عنه - لم تقتصر على أمور الدين؛ بل إنه كان حكيمًا حتى في أمور الدنيا وتصريف الأموال، ومن ذلك قوله: "أعوذ بالله من تفرقة القلب. قيل: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يُجْعَلَ لي في كل وادٍ مالٌ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومن حكمته أنه كان يقدم من الأدعية الأهم فالمهم، فقد أُوجِعَتْ عينُه حتى ذهبت؛ فقيل له: "لو دعوتَ الله؟ فقال: ما فرغتُ بعد من دعائه لذنوبي؛ فكيف أدعو لعيني؟!"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ينضُّم إلى هذا الفضل والحكمة: كثرة ذِكْرٍ وتسبيحٍ، وقد ذُكِرَ عنه أنه لا يَفْتُرُ منَ الذِّكْر، قيل له: "كم تسبِّح كلَّ يومٍ؟ قال: مائة ألفٍ، إلاَّ أن تخطئ الأصابع"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكان يدعو لأصحابه كثيرًا؛ قالت أمُّ الدَّرْداء: "كان لأبي الدَّرْداء ستون وثلاثمائة خليلٍ في الله، يدعو لهم في الصلاة، فقلت له في ذلك؛ فقال: إنه ليس رجلٌ يدعو لأخيه في الغيب، إلاَّ وَكَّلَ الله به مَلَكَيْن يقولان: ولك بمثل، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة؟!"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومن عجيب اعتباره: أنه في انتصارات المسلمين، يعتبِر بما حلَّ بالعدوِّ قبل أن يفرح بالنَّصر. قال جُبَيْر بن نُفَيْر: "لما فُتحتْ قبرص؛ مُرَّ بالسَّبْيِّ على أبي الدَّرْداء؛ فبكى؛ فقلت له: تبكي في مثل هذا اليوم الذي أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: يا جُبيْر، بينا هذه الأمَّة قاهرةٌ ظاهرةٌ؛ إذْ عصوا الله فلقوا ما ترى، ما أهون العباد على الله إذا هم عصوه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. فلم تُنْسِهِ فرحة النصر الاعتبارَ بما حلَّ بالعدو لمَّا خالفوا أمر الله، ومَنْ مِنَ العباد يعتبِر في مواطن الفرح والسُّرور؟!



فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا غضبه فلا تعصوه، وخذوا من هَدْي الصالحين، واعتبِروا بأخبار الماضين.


كان أبو الدَّرْداء - رضيَ الله عنه - يحبُّ البقاء في الدُّنيا؛ ليتزوَّد منَ الأعمال الصالحات للآخِرة؛ قال - رضيَ الله عنه -: "لولا ثلاثٌ ما أحببت البقاء: ساعةُ ظمأ الهواجر، والسُّجودُ في الليل، ومجالسةُ أقوامٍ ينتقون جيِّد الكلام كما يُنتقى أطايبُ التَّمر"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ولا زالتِ الحِكْمة على لسانه حتى في حال مرضه؛ فقد اشتكى مرَّةً؛ فدخل عليه أصحابه فقالوا: "يا أبا الدَّرْداء، ما تشتكي؟ قال: اشتكي ذنوبي. قالوا: فما تشتهي؟ قال: أشتهي الجنة. قالوا: أفلا ندعوا لك طبيبًا؟ قال: هو الذي أضجعني"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وظلَّ - رضيَ الله عنه - يعظ الناس حتى في حال احتضاره وموته وقدومه على ربه، قالت أمُّ الدَّرْداء: "لما احتُضِرَ أبو الدَّرْداء جعل يقول: مَنْ يعملُ ليومي هذا؟ مَنْ يعملُ لمضجعي هذا؟"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وبكى عند موته؛ فقالت له أمُّ الدَّرْداء: "وأنت تبكي يا صاحب رسول الله؟ قال: نعم، وما لي لا أبكي، ولا أدري علام أهجم من ذنوبي"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

توفِّيَ قبل مقتل عثمان - رضيَ الله عنه - وعن عثمان[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، توفِّي ومعه شهادة بالإيمان من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا: بلغني أنَّك تقول إن ناسًا من أمتي سيكفرون بعد إيمانهم. قال: ((أجل يا أبا الدَّرْداء، ولستَ منهم))؛ أخرجه الطِّبرانيُّ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

أيها الإخوة:

كانت هذه أجزاء من سيرة هذا الإمام الحكيم .. أجزاءٌ من أيامه وحياته، وعلمه وعبادته، وأقواله وأفعاله .. سيرةٌ من أنصع السِّيَر في جبين التاريخ، وصورةٌ من أجمل الصُّوَر التي حفظتها دواوين الإسلام؛ فهل يعقل أن يستبدل أهلُ الإسلام الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!

هل يعقل أن يستبدلوا سيرة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسيرة أصحابه - رضيَ الله عنهم وأرضاهم - بأخبار السَّاقطين والسَّاقطات، والتَّافهين والتَّافهات، من أهل التمثيل الخليع، أو الغناء الرَّقيع، أو اللاَّهين والرِّياضيين؟!

فمتى يستفيق الناس من غفلتهم متى؟ ومتى يدركون قدر كنوزهم ومدَّخراتهم التي حفظها الله تعالى لهم بتدوين علماء الإسلام وحفاظهم؟ فإدراك ذلك يعني استشعار المسؤولية، واستشعارُ المسؤولية سببُ نهضة الأمَّة ونصرِها على عدوِّها، وإن ذلك لقريبٌ متى ما أدَّى كلُّ فردٍ دَوْرَه، ومتى ما رُبِّيَتْ أجيالُ الأمَّة على أخلاق سَلَفَهِا وسِيَرهم، وما ذلك على الله بعزيز.

.


عدل سابقا من قبل um_okba في الأحد فبراير 28, 2010 6:11 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأحد فبراير 28, 2010 5:52 am



أسدُ الله وسيِّد الشُّهداء حمزة بن عبدالمطلب رضيَ الله عنه



في هذه الأجواء المعتمة، والأحوال المتردِّية؛ نحتاج إلى مطالعة تاريخ الصَّدر الأوَّل، والنَّظر في سِيَر الصحابة المجاهدين، والشهداء والمهاجرين، الذين بذلوا النفس والنفيس لإعلاء كلمة الدين، ونشر الإسلام في أرجاء المعمورة.

وهذه سِيرَة بطلٍ من أبطال الإسلام، وأسدٍ من أُسْدِ الله تعالى، كان قويًّا في إسلامه، بطلاً في جهاده، عظيمًا في استشهاده، لقَّبه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أسدُ الله، وسمَّاه: سيِّد الشُّهداء، رضع هو والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من ثديٍ واحدٍ؛ فكان أخاه من الرضاعة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

إنه ابن عبد المطلب، حمزةُ، عمُّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

كان من خبر إسلامه: "أنَّ أبا جهل مرَّ برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره من العيب لدِينه، والتَّضعيف له؛ فلم يكلِّمه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومولاةٌ لعبد الله بن جُدْعان في مسكنٍ لها فوق الصَّفا تسمع ذلك.

ثم انصرف عنه؛ فعَمِد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم، فلم يلبث حمزةُ أن أقبل متوشِّحًا قوسَه، راجعًا من قَنَصٍ له - وكان صاحب قَنَصٍ - وكان إذا رجع من قَنَصه بدأ بالطَّواف بالكعبة، وكان أعزَّ فتًى في قريش، وأشدَّه شكيمةً، فلما مرَّ بالموالاة قالت له: يا أبا عمارة، لو رأيتَ ما لقيَ ابنُ أخيك آنفًا من أبي الحكم، وجده هاهنا جالسًا، فآذاه وسبَّه وبَلَغ منه، ولم يكلِّمه محمدٌ.

فاحتمل حمزة الغضب، لما أراد الله به من كرامته؛ فخرج يسعى مُغذًّا لأبي جهل، فلما رآه جالسًا في القوم أقبل نحوه؛ حتى إذا قام على رأسه رفع القوسَ فضربه بها، فشجَّه شجَّةً منكرةً، ثم قال: أتشتمه؟ فأنا على دِينه، أقول ما يقول؛ فرُدَّ عليَّ ذلك إن استطعتَ.

فقامت رجالٌ من بني مخزومَ إلى حمزة لينصروا أبا جهلٍ؛ فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فوالله لقد سببتُ ابنَ أخيه سبًّا قبيحًا.

وتمَّ حمزةُ على إسلامه، فلمَّا أسلم؛ عرفت قريش أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة - رضيَ الله عنه - سيمنعه؛ فكفُّوا بعض الشيء"؛ أخرجه البَيْهِقِيُّ والحاكم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ولمَّا كانت الهجرة؛ هاجر إلى المدينة، وشهد بَدْرًا، وأبلى فيها بلاءً عظيمًا مشهورًا، بارز أبطال قريش فصرعهم، وأتى على صفوفهم فهدَّها، حتى قال أحد أسرى المشركين: "من الرَّجل المُعلَّم بريشة نعامة؟". قالوا: "حمزة - رضيَ الله عنه". قال: "ذاك فعل بنا الأفاعيل"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ثمَّ في شوَّال من السنة الثَّالثة حضر أُحدًا وقاتل قتالاً عظيمًا؛ قال سعد بن أبي وقَّاصٍ - رضيَ الله عنه -: "كان حمزة يقاتل يوم أُحدٍ بين يَدَي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – بسيفَيْن، ويقول: أنا أسدُ الله"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. كان يُسيِّر فرسه بركبتيه، وفي يمينه سيفٌ، وفي يساره سيفٌ يقاتل بهما".

الله أكبر، ما هذه الجرأة! وكيف كانت تلك المهارة؟!

كانت شَهادَته - رضيَ الله عنه - في أُحُدٍ، يروي قصَّتها قاتِلُه؛ فقد أخرج البخاريُّ في "صحيحه" من حديث جعفر بن عمرو، أن وحشيًّا قال: "إن حمزة قتل طُعَيْمَة بن عَدِيٍّ بن الخِيار ببدرٍ؛ فقال لي مولاي جُبَيْر بن مُطْعِم: إن قتلتَ حمزة بعمِّي؛ فأنت حرٌّ. قال: فلما أن خرج الناس عام عَيْنَين - وعَيْنَين جبلٌ بحيال أحدٍ، بينه وبينه وادٍ - خرجتُ مع النَّاس إلى القتال، فلما اصطفُّوا للقتال، خرج سِباعٌ فقال: هل من مبارزٍ؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب؛ فقال: يا سِباعُ، يا ابنَ أمِّ أنمارٍ مقطِّعة البظور، أتحادُّ الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟! قال: ثم شدَّ عليه، فكان كأمس الذَّاهب! قال: وكَمَنْتُ لحمزة تحت صخرةٍ، فلما دنا مني رميتُه بحربتي، فأضعها في ثُنَّته، حتى خرجت من بين وِرْكَيْه، فكان ذلك العهد به"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وفي روايةٍ: "فجعل حمزة يهدُّ النَّاس بسيفه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وفي أخرى: "فرأيتُ رجلاً إذا حمل لا يرجع حتى يهزمنا؛ فقلتُ: مَنْ هذا؟ قالوا: حمزة. قلتُ: هذا حاجتي"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ثم ذكر بقيَّة الحديث.

قُتل حمزة - رضيَ الله عنه - ومَثَّلَ به المشركون؛ انتقامًا من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد تأثَّر لذلك كثيرًا، فوقف على حمزة، فرآه قد شُقَّ بطنُه، وقد مُثِّلَ به، فكره أن ينظر إليه، ثم وقف بين ظهراني القتلى فقال: ((أنا شهيدٌ على هؤلاء، لُفُّوهم في دمائهم؛ فإنه ليس من جريحٍ يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يَدْمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المِسْك، قدِّموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللَّحْد))[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وروى أبو هُرَيْرَة - رضيَ الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقف على حمزة حيث استُشْهِدَ، فنظر إلى منظرٍ لم ينظر إلى شيءٍ قطُّ كان أوجع لقلبه منه، ونظر إليه وقد مُثِّل به فقال: ((رحمة الله عليكَ، فإنَّك كنتَ - ما علمتُ - وَصُولاً للرِّحِم، فعولاً للخيرات، ولولا حزنُ مَنْ بعدكَ عليكَ؛ لسرَّني أن أترككَ حتى يحشركَ الله من أرواحٍ شتَّى، أما والله عليَّ ذلك لأمثِّلَنَّ بسبعين منهم مكانكَ))؛ فنزل جبريل - عليه السَّلام - بخواتيم النَّحل: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]؛ فكفَّر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن يمينه، وأمسك عن الذي أراد، وصبر[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وعن ابن عباس - رضيَ الله عنهما - قال: لما قُتل حمزة أقبلت صفيَّة أخته، فلقيتْ عليًّا والزُّبير، فأرياها أنهما لا يدريان، فجاءت النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((فإني أخاف على عقلها)). فوضع يده على صدرها، ودعا لها، فاسترجعتْ وبكتْ. ثم جاء فقام عليه وقد مُثِّلَ به؛ فقال: ((لولا جَزَعُ النِّساء لتركته حتى يُحْشَر من حواصل الطَّير وبطون السِّباع)).

وفي رواية الزُّبير: أن صفيَّة - رضيَ الله عنها - جاءت بثَوْبين لتكفين حمزة، وكان إلى جنب حمزة قتيلٌ منَ الأنصار؛ فكرهوا أن يتخيَّروا لحمزة؛ فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسهموا بينهما، فأيهما طار له أجودُ الثَّوْبَيْن؛ فهو له)). فأسهموا بينهما؛ فكفِّن حمزة في ثوبٍ، والأنصاريُّ في ثوبٍ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]؛ ولكنَّ ثوب حمزة كان قصيرًا، فجعلوا يجرُّونه على وجهه فتنكشفُ قدماه، ويجرُّونه على قدميه فينكشفُ وجهه، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اجعلوه على وجهه، واجعلوا على قدميه من هذا الشَّجر)).

ورفع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأسه فإذا أصحابه يبكون، فقال: ((ما يبكيكم؟)). قيل: يا رسول الله، لا نجد لعمِّك اليوم ثوبًا واحدًا يَسُعُه! فقال: ((إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف؛ فيصيبون فيها مطعمًا وملبسًا ومركبًا))[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]؛ أي: من كثرة الخيرات وانفتاح الدنيا.

كان حمزةُ - رضيَ الله عنه - من شهداء أُحد؛ بل هو سيِّد الشُّهداء كما قال النبيُّ - عليه الصَّلاة والسلام -: ((سيِّد الشهداء حمزة، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ، فأمره ونهاه؛ فقتله))؛ أخرجه الحاكم وصحَّحه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وشهد عليه الصَّلاة والسَّلام لشهداء أُحُدٍ بالجنَّة؛ فقال: ((لمَّا أصيب إخوانكم بأُحُدٍ؛ جعل الله أرواحهم في أجواف طير خُضْرٍ، تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديلَ من ذهبٍ، معلقةٍ في ظلِّ العرش، فلما وجدوا طِيبَ مأكلهم ومشربهم ومَقِيلِهم قالوا: مَنْ يُبْلِغُ إخواننا عنَّا؛ أننا أحياءٌ في الجنة نرزق؛ لئلاَّ ينكلوا عند الحرب، ولا يزهدوا في الجهاد. قال الله: أنا أبلغهم عنكم؛ فأُنزلت: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169]))؛ أخرجه أبو داود[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وحَرَّم الله أجسادهم على الأرض أن تُبلِيها؛ فبعد أربعين عامًا من وقعة أُحد، أراد معاوية - رضيَ الله عنه - أن يجري عينه التي بأُحد؛ فكتبوا إليه: إنَّا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء؛ فكتب إليهم: انبشوهم. قال جابر: فرأيتُهم يُحملَون على أعناق الرجال؛ كأنَّهم قومٌ نيامٌ، وأصابت المَسْحَاةُ طرف رجل حمزة بن عبدالمطلب؛ فانبعث دمًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

كان عُمْر حمزة لمَّا استُشهد سبعًا وخمسين سنة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، فرضيَ الله عنه وأرضاه، ورضيَ عنِ الصحابة أجمعين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23].
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأحد فبراير 28, 2010 5:53 am

أيها الإخوة المؤمنون:

تُظهر سِيرةُ حمزة - رضيَ الله عنه - المعانيَ العظيمة للإسلام، حينما فعل المشركون في أُحُد الأفاعيل بشهداء المسلمين؛ من جَدْع أنوفهم، وبَقْر بطونهم، وشَرْط أجسادهم؛ حتى استخرجوا كَبِدَ حمزةَ من بطنه، ويحلف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليمثِّلن بهم إذا ظهر عليهم؛ لكنْ ينزل عليه الوحي في موقفه ذاك؛ لِيُبيِّن أنَّ العقاب لابدَّ أن يكون على قدر الجريمة، وأن المُثْلَة بالمُثْلَة، وأن الصبر خيرٌ من ذلك كلِّه، وما كان من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلا أن صبر وكفَّر عن يمينه.

فأيُّ تزويرٍ يُمارس في حقِّ الإسلام والمسلمين وتاريخهم، على أيدي أعداء الله من الملاحدة واليهود والنصارى والمنافقين، حينما يَصِمُون المسلمين بالعنف والأصوليَّة، ومحبة الدِّماء، والتلذُّذ بتعذيب الضّحايا؛ وبالرغم من أن تاريخهم يحكي شرفهم في القتال، ويُثبت نزاهتهم في حروبهم، وما أكثر ما عفوا وصفحوا في حال ظهورهم وانتصارهم.

فالمرأة والوليد والشيخ الكبير لا يُقتلون، ومَنْ لم يشارك في الحرب لا يُقتل، والأسير يُكرَم حتى يُقضى في أمره، والجريح لا يُجْهَز عليه، والثَّمر لا يُقطع، والزَّرْع لا يُحرَق، والآمِن لا يروَّع.

والمسلمون ينفِّذون تلك الوصايا؛ لأنَّهم لا ينطلقون في جهادهم من تحقيق مصالحٍ ذاتيَّةٍ، وليس يدفعهم للقتال أحقادٌ دفينةٌ، أو أضغانٌ قديمةٌ.

ومع ذلك تُخفى الحقائق، ويمارَس التَّزوير في حقِّ المسلمين في كل وسيلةٍ تُسمع أو تُقرأ أو تُرى، بينما يصور غيرهم بأنهم رحماء، ومن العفو أقرب، وعن الانتقام أبعد.

ماذا فعل الصليبيُّون في بيت المقدس لما اغتصبوه، وبقي في أيديهم ما يزيد على تسعين سنة؟! إن التاريخ يذكر أن الدِّماء في الأقصى بلغت الرُّكَب، وأن الصليبيين لم يفرِّقوا بين طفل رضيع، أو امرأة ضعيفة، أو شيخ طاعن في السِّن؛ بل كانت سيوفهم تُعْمِل القتلَ في الرِّقاب كلِّها، ولست محتاجًا لأن أرجعكم إلى ذاكرة التاريخ؛ لأن ممارسات الصليبيين الصِّرب الدَّموية قريبة العهد؛ ولأن أفعال اليهود بمسلمي الأقصى تُنقل إلى الأسماع والأبصار كلَّ صباحٍ ومساء.

وما من فِرْيَة تُلْصَق بالإسلام إلا ويتولى كِبْرَها منافقو العرب ممَّن نزع الله منهم الإيمان؛ فامتلأت قلوبهم أحقادًا زُرْقًا على الإسلام وأهله؛ ولكنهم يَضُرُّون أنفسهم، ولن يضرُّوا الله تعالى شيئًا، ولن يضرُّوا المسلمين ما بقي المسلمون مستمسكين بشريعتهم، عاضِّين عليها بالنَّواجذ، وإن كيدهم ومكرهم عائدٌ عليهم بأمر الله - عزَّ وجلَّ - ولا تزال الأيام تفضحهم، وتُظهر عوراتهم ونفاقهم: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطًّارق: 15-17].

ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خلق الله، كما أمركم بذلك ربُّ العزَّة والجلال.


.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأحد فبراير 28, 2010 5:55 am

سيرة مجاهد (أبو دُجانة الأنصاري)



لقد علِم صحابةُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ في الجهاد فضلاً لا يُضاهى، وخيرًا لا يتناهى، وأيقنوا أنَّ الجنة تحت ظلال السيوف، وأن الرِّيَّ الأعظم في شرب كؤوس الحُتُوف، فشمَّروا للجهاد عن ساق الاجتهاد، ونفروا إلى ذوي الكفر والعناد .. جهَّزوا الجيوش والسَّرايا، وبذلوا في سبيل الله العطايا .. أقرضوا أموالهم لمن يضاعفها ويزكِّيها، ودفعوا سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها .. ضربوا الكافرين فوق الأعناق، واستعذبوا من المنيَّة مرَّ المذاق، وباعوا الحياة الفانية بالعَيْش الباق[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

روى أبو بكر بن عبدالله بن قيس الأشعريُ - رضيَ الله عنه - قال: "سمعتُ أبي وهو بحَضْرة العدوِّ يقول: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف)). فقام رجلٌ رثُّ الهيئة؛ فقال: يا أبا موسى، أنت سمعتَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول هذا؟ قال: نعم. قال: فرجع إلى أصحابه؛ فقال: أقرأُ عليكم السَّلام. ثمَّ كَسَرَ جَفْنَ سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدوِّ؛ فضرب به حتى قُتِلَ"؛ أخرجه مسلمٌ والتِّرْمِذِيُّ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

كان السَّابقون من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مهاجرين وأنصارًا، المهاجرون لهم الهجرة، والأنصار لهم النُّصرة، وجميعهم تعاهدوا على عبادة الله وحده، وطاعة نبيه، ونشر دينه، والجهاد في سبيله، حتى قال قائلُ الأنصار في بدرٍ لما استشارهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قتال المشركين: "امضِ لما أردتَ فنحن معك، فوالذي بعثك بالحقِّ لو استعرضتَ بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجلٌ واحدٌ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

والحديث عن الجهاد والمجاهدين، والأنصار والمهاجرين - حديثٌ تحبُّه النفوس المؤمنة، التي لم تنخدع بعد بالرموز المزوَّرة من أهل المبادئ المنحرفة، والأفكار الهدَّامة، وذوي الانحلال الأخلاقيِّ؛ ممَّن ينشرون الفساد باسم الفن والإثارة.

وهذه نظرةٌ في سِيرة عَلَمٍ من أعلام الجهاد، وبطلٍ من أبطال الإسلام، إذا ذُكِرَتْ أُحُدٌ لازم ذِكْرُهُ ذكرها؛ فقد كان بلاؤه فيها عظيمًا، مع حُسْنِ بلائه في بدر وحُنَيْن، وخيبر واليمامة التي كان استشهاده بها.

ذلكم أبو دُجانة، سِمَاك بنُ خَرَشَة السَّاعديُّ الأنصاريُّ - رضيَ الله عنه وأرضاه.

كان من المستقبلين للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوم هجرته، وكان مع سعد بن عُبادةَ والمنذر بن عمرو يقولون: "هلمَّ يا رسول الله إلى العزِّ والثَّرْوَة، والقوَّة والجَلَد والعَدَد"، آخذين بخَطَام ناقته؛ لكنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول لهم ولغيرهم: ((خلُّوا سبيلها؛ فإنها مأمورةٌ))[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكان الأسودُ بن المطلب منَ المستهزئين برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المحاربين لدعوته؛ فدعا عليه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يعمى ويَثْكِلَ وَلَدَهُ، فجلس في ظلِّ شجرةٍ؛ فجعل جبريل يضرب وجهه وعينيه بورقها وشَوْكها حتى عميَ. وقيل: أومأ إليه فعميَ؛ فشغله ذلك عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقُتل ابنه معه كافرًا، قتله أبو دُجانة - رضيَ الله عنه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وفي أُحُد؛ جرَّد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سيفًا باترًا، ونادى أصحابه: ((مَنْ يأخذ هذا السيف بحقِّه؟ فقام إليه رجالٌ يأخذوه؛ منهم: عليُّ بن أبي طالب والزبيرُ بن العوام وعمُر بن الخطاب - رضيَ الله عنهم. حتى قام إليه أبو دُجانة؛ فقال: وما حقُّه يا رسول الله؟ قال: ((أن تضرب به وجوه العدو حتى ينحني)). قال: أنا آخذه بحقِّه يا رسول الله. فأعطاه إيَّاه.

كان أبو دُجانة رجلاً شجاعًا يختال عند الحرب، وكانت له عُصابةٌ حمراء، إذا اعْتَصَبَ بها علم الناس أنه سيقاتل حتى الموت، فلما أخذ السيف عَصَبَ رأسه بتلك العُصابة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

أقبل أبو دُجانة معلَّمًا بعُصابته الحمراء، آخذًا سيف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مصمِّمًا على أداء حقِّه؛ فقاتل حتى أمعن في الناس، وجعل لا يلقى مشركًا إلا قتله.

وأخذ يهدُّ صفوف المشركين هدًّا؛ حتى قال الزُّبير بن العوَّام: "وجدتُ في نفسي حين سألتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - السيفَ فمَنَعَنِيه وأعطاه أبا دُجانة، وقلتُ في نفسي: أنا ابن صفيَّة عمَّته، ومن قريش، وقد قمتُ إليه فسألتُه إيَّاه قبله؛ فآتاه إيَّاه وتركني! والله لأنظرنَّ ما يصنع؟ فاتَّبعته، فأخرج عُصابةً له حمراءَ؛ فعصب بها رأسه؛ فقالت الأنصار: أخرج أبو دُجانة عصابة الموت! فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله، ولا يرتفع له شيءٌ إلا هَتَكَه وأَفْراهُ. وكان في المشركين رجلٌ لا يَدَعُ لنا جريحًا إلا ذَفَّف عليه، فجعل كلُّ واحدٍ منهما يدنو من صاحبه، فدعوتُ الله أن يجمع بينهما، فالتقيا فاختلفا ضربتَيْن، فضرب المشركُ أبا دُجانة؛ فاتَّقاه بدَرَقَته، فعضَّت بسيفه، فضربه أبو دُجانة فقتله".

واخترق أبو دُجانة صفوف المشركين يهدّها ويفرِّقها، حتى خلص إلى نسوة قريش. قال - رضيَ الله عنه -: "رأيتُ إنسانًا يخمش الناس خمشًا شديدًا؛ فصمدتُ له، فلما حملتُ عليه السَّيف وَلْوَلَ، فإذا امرأةٌ، فأكرمتُ سيف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن أضرب به امرأةً".

فلما رأى الزُّبير - رضيَ الله عنه - أفاعيل أبي دُجانة في المشركين؛ رضيَ وقال: "الله ورسوله أعلم"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكان عُبيد بن حاجز العامري من الشجعان، أقبل على المسلمين يعدو كأنه سَبُعٌ ضارٍ، فضرب رجلاً من المسلمين، فجرحه، فوَثَبَ إليه أبو دُجانة؛ فناوشه ساعةً، ثم ذبحه بالسيف ذبحًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ولما دارت الدائرة على المسلمين في أُحُد؛ ثَبَتَ أبو دُجانة يدافع عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم جعل من جسده تُرْسًا دون رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقع النَّبْل في ظهره وهو منحنٍ على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى كَثُرَتْ فيه النَّبْل، ومع كثرة النَّبْل الذي أصابه، والجراح التي أنهكته؛ فإن أبا دُجانة سَلِمَ منَ الموت[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ولقد أثنى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على قتال أبي دُجانة في أُحُد، حيث أعطى عليٌ فاطمةَ - رضيَ الله عنهما - سيفه بعد أُحُد، وقال: "هاكِ السيف؛ فإنها قد شَفَتْنِي". فقال له: ((لئن كنتَ أجدتَ الضرب بسيفكَ، لقد أجاد سَهْل بن حُنَيْف، وأبو دُجانة، وعاصمُ بن ثابت الأقْلَح، والحارث بن الصِّمَة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وشارك - رضيَ الله عنه - في حصار بني النَّضير، ونَدَبَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع علي بن أبي طالب وسهل بن حُنَيْف في عشرةٍ من أصحابه لملاحقة اليهود الذين أرادوا أَخْذ المسلمين على حين غِرَّة، فأدركوهم فقتلوهم، وطرحت رؤوسهم في بعض البئار[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وفي خيبر، وحينما حَمِيَتِ المبارزة بين اليهود والصحابة - خرج يهوديٌّ يدعو إلى المبارزة؛ فخرج له رجلٌ من آل جحش، فقتله اليهودي، ثم دعا إلى المبارزة؛ فخرج إليه أبو دُجانة، وقد عصب رأسه بعُصابته الحمراء فوق المِغْفَر، يختال في مشيته، فبَدَرَه أبو دُجانة فضربه، فقطع رجله، ثم ذفَّف وأخذ سَلَبَه: دِرْعَه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فنَفَّلَه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك، وأحجم اليهود عن البِراز؛ فكبَّر المسلمون، ثم تحاملوا على حصن اليهود فدخلوه، يَقْدُمُهم أبو دُجانة - رضيَ الله عنه - حتى فتحوه[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وفي حُنَيْن؛ أصابت أبا دُجانة جراحٌ شديدةٌ، وأبلى بلاءً حسنًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وحضر - رضيَ الله عنه - غزوة العُسْرَة، وأعطاه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - راية الخزرج[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ولما توفِّيَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - واصل أبو دُجانة جهاده مع الصدِّيق بكل شجاعة وإقدام، وكان تحت إمرة خالد بن الوليد - رضيَ الله عنه - في قتال مُسَيْلِمَة ومَنْ معه من المرتدِّين؛ بل كان من المشاركين في قتل عدو الله مُسَيْلِمَة.

روي عن أنس بن مالك - رضيَ الله عنه - أنه قال: "رمى أبو دُجانة بنفسه يوم اليمامة إلى داخل الحديقة - وكانت تسمَّى حديقة الموت - فانكسرت رِجْله؛ فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قُتل - رضيَ الله عنه وأرضاه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

فلله دَرُّه، ما أشجعه وما أقواه، وما أشد رغبته فيما عند الله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأحد فبراير 28, 2010 5:56 am


إطلالة على سيرة ذي الجناحين: جعفر بن أبي طالب






هذه إطلالةٌ سريعةٌ، ووقفةٌ عابرةٌ على سيرةٍ من أعجب السِّير، مَنْ تأمَّل أحوال صاحبها مع اعتباره وادِّكاره؛ نبض قلبه بالحياة بإذن الله تعالى.

صاحبها صاحب شرفٍ في الدُّنيا والآخِرة، فنسبه ضاربٌ في العَراقة والمجد، نسب الطاهرين من بني هاشم، أوسط قريش نسبًا.

وصفاته وأخلاقه تتقدَّم الصفوف الأولى من الكمال البشري؛ يقول أبو نُعَيْم الأصبهاني في وصفه: "الخطيب المقدام، السخيِّ المطعام، خطيب العارفين، ومضيف المساكين، ومهاجر المهاجَرتَين، ومصلِّي القِبلتين، البطل الشجاع، الجواد الشَّعشاع ..."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومع كل هذا الوصف والمجد يبلغ المنتهى في التواضع، فلا يأنف من أن يكون جنديًّا من جنود الحقِّ، تحت إمْرَة مولىً من موالي ابن عمه الصادق المصدوق - صلَّى الله عليه وسلَّم.

خاطبه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا فقال: ((أشْبَهْتَ خَلْقي وخُلُقي))؛ أخرجه البخاريُّ[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

إنه جعفر بن أبي طالب - رضيَ الله عنه وأرضاه. تقدَّم إسلامه جدًّا، حتى إنه يُقَدَّم في أوائل مَنْ أسلموا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وهاجر إلى الحبشة فرارًا بدينه، كما قالت أم سَلَمَة - رضيَ الله عنها -: لما ضاقت علينا مكة، وأوذيَ أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفُتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء؛ فقال لهم رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن بأرض الحبشة ملِكًا لا يُظلم عنده أحدٌ؛ فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فَرَجًا ومخرجًا))[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

كان جعفر - رضيَ الله عنه - من المهاجرين إلى الحبشة فرارًا بدينه، لكن قريشًا لم يتركوهم؛ بل أرسلوا في أثرهم عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة؛ فالتقى وفد المشركين بالمسلمين في مجلس الملك العادل النجاشيِّ - رحمه الله تعالى - فكانت المناظرة العظيمة بين داهية العرب عمرو بن العاص - رضيَ الله عنه - ممثِّلاً للمشركين، وبين جعفر بن أبي طالب خطيب المسلمين ذلك اليوم.

تروي أمُّ المؤمنين أم سَلَمَة - رضيَ الله عنها - تفاصيل تلك المناظرة العظيمة فتقول: "لما نزلنا أرض الحبشة؛ جاورْنا بها خير جار: النجاشي، أمِنَّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى، لا نؤذَى، ولا نسمع شيئًا نكرهه. فلما بلغ ذلك قريشًا، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلَيْن منهم جَلْدَيْن، أهدوا للنجاشي هدايا مما يُستطرف من متاع مكة، فلم يبقَ من بطارقته بطريقٌ إلا دفعا إليه هديَّته قبل أن يكلِّما النجاشي، وطلبوا منهم معونتهم عند النجاشي.

ثم إنهما قدما هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلَّماه فقالا له:

أيها الملك: إنه قد ضَوَى إلى بلدكَ منَّا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينكَ، وجاؤوا بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت. وقد بعثَنَا إليكَ منهم أشرافُ قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردَّهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه.

قالت: فقالت بطارقته حوله: صِدْقًا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم؛ فأسلمهم إليهما، فلْيَردَّاهُم إلى بلادهم وقومهم.

قالت: فغضب النجاشيُّ ثم قال: لاها الله - أي لا والله - إذن لا أسلمهم إليهما ولا يكاد، قومٌ جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على مَنْ سوايَ! حتى أدعوهم؛ فأسألهم عمَّا يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتُّهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك؛ منعتهم منهما، وأحسنتُ جوارهم ما جاوروني.

قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؛ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - كائنًا في ذلك ما هو كائنٌ.

فلما جاؤوا - وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله - سألهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحدٍ من هذه الملل؟ قالت: فكان الذي كلَّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك! كنَّا قومًا أهلَ جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل المَيْتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منَّا الضعيف، فكنَّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منَّا، نعرف نَسَبَه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّده ونعبده، ونخلع ما كنَّا نعبد نحن وآباؤنا منَ الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة.

قالت: فعدَّد عليه أمور الإسلام؛ فصدَّقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به منَ الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرَّمنا ما حرَّم علينا وأحللنا ما أحلَّ لنا. فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا؛ ليردُّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلَّ الخبائث. فلما قهرونا وظلمونا وضيَّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إلى بلادكَ، واخترناكَ على مَنْ سواك، ورغِبنا في جواركَ. رجونا أن لا نظلم عندكَ أيها الملك.

قالت: فقال النجاشيُّ: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه، قالت: فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص} [مريم: 1]. قالت: فبكى والله النجاشيُّ حتى اخضلَّت لحيته، وبكت أساقفته حتى أَخْضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم.

ثم قال النجاشيُّ: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مِشكاةٍ واحدة. انطلِقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون.

قالت: فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لآتينَّه غدًا عنهم بما أستأصل به خضراءهم، والله لأخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبدٌ. قالت: ثم غدا عليه من الغد فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيمًا؛ فأرسلْ إليهم فسَلْهُم عمَّا يقولون فيه. قالت: فأرسلَ إليهم ليسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلها قط؛ فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله ما قال الله، وما جاءنا به نبيُّنا، كائنًا في ذلك ما هو كائنٌ.

قالت: فلما دخلوا عليه قال لهم: ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟ قالت: فقال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاءنا به نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو عبد الله ورسوله، ورُوحه وكلمته، ألقاها إلى مريم العذراء البَتُول.

قالت: فضرب النجاشيُّ بيده إلى الأرض فأخذ منها عودًا ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلتَ هذا العُودَ.

قالت: فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال؛ فقال: وإن نخرتم والله، اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي - أي آمنون - من سباكم غَرِمَ - قالها ثلاثًا - ما أحبُّ أن لي دَبْرًا من ذهب، وأني آذيتُ رجلاً منكم.





.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأحد فبراير 28, 2010 5:57 am

وفي روايةٍ قال: مرحبًا بكم وبمن جئتم من عنده، أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي نجد في الإنجيل، وأنه الرسول الذي بشَّر به عيسى بن مريم؛ انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من المُلْك؛ لأتيته حتى أكون أنا الذي أحمل نعليه.

قالت: وأمر لنا بطعام وكسوة"؛ حديثٌ صحيحٌ عظيمٌ، أخرجه أحمد وابن إسحاق وأبو نُعَيْم[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وهكذا كان جعفر - رضيَ الله عنه - خطيب القوم والمحامي عنهم؛ بل كان إسلام النجاشي على يديه، وتلك مَنْقَبَةٌ عظيمةٌ.

وبقي جعفر مع مَنْ بقيَ منَ المسلمين في الحبشة، فلما ظهر الإسلام، وكان عام فتح خيبر - هاجر جعفرُ ومَنْ معه من الحبشة إلى المدينة، فلمَّا رجع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من خيبر تلقَّاه جعفرُ، فالتزمه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقبَّل بين عينيه وقال: ((ما أدري بأيِّهما أنا أفرحُ، بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر)). أخرجه الحاكم مرسلاً صحيحًا[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وعلى الرغم من أن جعفرًا كان من أعلام الجهاد، آتاه الله قوةً في لسانه فلا يُحاجّ، مع قوته وثباته في القتال؛ فإنه كان متواضعًا طائعًا لله ورسوله.

لما جهَّز رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جيش مؤتة، جعل أميرهم مولاه زيد بن حارثة، ثم جعفرًا، ثم ابنَ رواحة، فلم يغضب من ذلك جعفر؛ بل وثب وقال لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "بأبي أنت وأمي! ما كنت أرهب أن تستعمل زيدًا عليَّ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وانطلق جيش مؤتة، وقاتل المسلمون الرومَ حتى قُتل زيدٌ، فاستلم إمارة الجيش جعفر، فقاتل قتالاً مريرًا حتى قُتل، ثم عقبه ابنُ رواحة.

قال من رأى جعفرًا يوم مؤتة: "لكأنِّي أنظر إلى جعفر يوم مؤتة، حين اقتحم عن فرسٍ له شقـراء، فعقرها، ثم قاتل حتى قُتل"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، قال ابن إسحاق: "وهو أوَّل مَنْ عَقَرَ في الإسلام"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

قاتل - رضيَ الله عنه - حتى قُتل، لم يفرّ من كثرة العدد، ولم يرهب قوة العدو؛ بل كان ثابتًا مقدامًا.

أتدرون كم كانت جراحه - رضيَ الله عنه -؟ جاءت في أخبارٍ لولا ثبوتها في صحيح البخاري وغيره لما كانت تُصدَّق!

روى البخاريُّ، عن ابن عمر - رضيَ الله عنهما -: "أنه وقف على جعفر يومئذ وقد قُتل. قال: فعددت به خمسينَ، بين طعنةٍ وضربةٍ، ليس منها شيءٌ في دُبُره. يعني: في ظهره[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وفي البخاريِّ أيضًا عن ابن عمر: "ووجدنا ما في جسده بضعًا وتسعينَ، من طعنةٍ ورميةٍ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وجاء في حديثٍ آخَر عند الحاكم وغيره: "أنَّه أخذ اللِّواء بيده اليمنى فقُطعت، ثم باليسرى فقُطعت، فعوَّضه الله عنهما بجناحَيْن يطير بهما في الجنة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وفي الطَّبراني بإسنادٍ حسن، من حديث عبدالله بن جعفر قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هنيئًا لك يا عبدالله بن جعفر؛ أبوك يطير مع الملائكة في السماء))!.

وعند التِّرْمِذِي، وصحَّحه ابن حبَّان من حديث أبي هريرة - رضيَ الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((رأيتُ جعفرًا يطير في الجنة مع الملائكة))[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وفي صحيح البخاري: "أن ابن عمر كان إذا سلَّم على عبدالله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وقد حزن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على جعفر. قالت عائشةُ - رضيَ الله عنها -: "لما جاءت وفاة جعفر؛ عرفنا في وجه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحزن"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وعن عبدالله بن جعفر قال: "جاء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد ثلاثٍ من موت جعفر فقال: ((لا تبكوا على أخي بعد اليوم، وادعوا لي الحلاَّق))؛ فجيء بالحلاَّق، فحَلَقَ رؤوسنا. ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام مداعبًا: ((أمَّا محمَّدٌ فشَبِيهُ عمِّنا أبي طالب، وأمَّا عبدالله فشَبِيه خَلْقي وخُلُقي)). قال عبدالله: ثم أخذ بيدي، فأشالها وقال: ((اللهم اخلفْ جعفرًا في أهله، وبارك لعبدالله في صفقة يمينه)). قالها ثلاثًا. قال عبدالله: وجاءت أمُّنا فذكرت له يُتْمَنَا، وجعلت تُفرِح له، فقال لها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((العَيْلَة تخافين عليهم وأنا وَلِيُّهم في الدنيا والآخرة؟!))[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 6:06 am

الإمام البخاري وكتابه "الصحيح"




إن التاريخ حفظ رجالاً من أهل الإسلام، لا يمكن زوالُ ذكرِهم إلا بزوال الإسلام، ولن يزول الإسلام إلى قيام الساعة. إنهم حمَلَة هذا الدِّين وناقلوه إلى الناس، عبر هذه القرون الطوال.

هذا أحدهم: كان نحيف الجسم، وليس بالطويل ولا القصير[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، من علماء القرن الثالث الهجري، ذاق اليُتْم كما هي سُنَّة أكثر العظماء، وعاش في كَنَف والدته[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وكانت الكتاتيب بوابة بروزه وشهرته وإمامته.

سيرته من أعجب العجب في ذكائه وحفظه وفقهه، في عبادته وزهده وورعه، ذلكم هو أمير المؤمنين في الحديث؛ أبو عبدالله محمد بن إسماعيل الجُعْفي مولاهم البخاري، - رحمه الله تعالى - ورضيَ عنه.

أُلهم حفظ الحديث وهو في الكُتَّاب وعمره عشر سنوات، وكان يصحِّح للشيخ خطأه في الإسناد وهو ابنُ إحدى عشرة سنة، وحفظ كتب العلماء الكبار وهو ابن ست عشرة سنة، ثم حجَّ مع والدته وجاور بمكة لطلب الحديث.

بدأ تصنيف بعض كتبه وهو ابن ثمان عشرة سنة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، والكتب التي كتبها وهو في هذه السنِّ المبكِّرة يقوم على دراستها عشرات من كبار الدارسين في هذا العصر لنَيْل درجات علمية عالية، وما يفونها حقَّها، أليس هذا عجبًا؟! ثم انظروا إلى اهتمامات أبناء الحادية عشرة والسادسة عشرة وأبناء العشرين!!

وأعجب من ذلك: أنه كان يصاحب أقرانه إلى المشايخ لأخذ الحديث، وهم يكتبون وهو لا يكتب، ويأمرونه بالكتابة فلا يكتب، فلما ألحُّوا عليه؛ قرأ عليهم ما كتبوه عن ظهر قلب، فزاد على خمسة عشر ألف حديث! ثم قال لهم: "أترون أني أختلف هَدْرًا وأضيِّع أيامي"؟![ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

لقد كان أهلُ المعرفة من البصريين يَعْدُون خلفه في طلب الحديث وهو شابٌّ، حتى يغلبوه على نفسه، ويُجلِسوه في بعض الطريق؛ فيجتمع عليه ألوفٌ، أكثرهم ممَّن يُكْتَبُ عنه، وكان شابًّا لم يخرج شَعْرُ وجهه بعد[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]!

قدم بغداد، وقد كان أئمة الحديث فيها يسمعون عن قوَّة حفظه؛ فأرادوا امتحانه، فعمدوا إلى عشرة من حفَّاظهم، مع كلِّ واحدٍ عشرةُ أحاديث قلَّبوا أسانيدها وخلَّطوها، فأخذوا يلقونها على البخاري حديثًا حديثًا، وهو يقول: لا أعرف هذا الحديث؛ حتى أنهوا المائة حديث، ثم أعاد عليهم المائة حديث بخطئهم، ثم أعادها مرة أخرى مصحَّحة؛ فأقرُّوا له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "هنا يُخْضَعُ للبخاري، فما العجب من ردِّه الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظًا؛ بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرَّةٍ واحدةٍ"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

قال أبو بكر الكَلْواذاني: "ما رأيتُ مثل محمد بن إسماعيل؛ كان يأخذ الكتاب من العلم فيطلع عليه اطِّلاعَةً، فيحفظ عامَّة أطراف الأحاديث من مرَّة واحدة))[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

انضمَّ إلى هذا الحفظ العجيب اهتمامٌ بالغ بالحديث يشغله عن النوم كثيرًا؛ قال محمد بن يوسف: "كنتُ مع البخاري بمنزله ذات ليلة، فأحصيتُ عليه أنه قام وأسرج؛ يستذكر أشياء يعلِّقها في ليلةٍ ثماني عشرة مرة"![ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكان ثمرةُ هذا الحرص وتلك الحافظة رصيدًا كثيرًا من الأحاديث، بلغ أكثر من ستمائة ألف حديث، بين مقبول ومردود، يختزنها البخاري في ذاكرته، بأسانيدها وفوائدها وعللها.

ولقد رآه غير واحد في المنام يمشي خلف النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلما رفع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – قدمه؛ وضع أبو عبدالله قدمه في ذلك الموضع؛ وتلك كرامةٌ في التأسِّي والاقتفاء[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. بل إن البخاري رأى النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في المنام؛ قال يصف تلك الرؤيا: "وكأنني واقفٌ بين يَدَيْه، وبيدي مروحة أذبُّ بها عنه، فسألتُ بعض المعبِّرين؛ فقال لي: أنت تذبُّ عنه الكذب؛ فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وقال: "كنا عند إسحاق بن رَاهَوَيْه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم! قال: فوقع ذلك في قلبي؛ فأخذتُ في جمع الجامع الصحيح"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

كانت رؤياه وقولُ شيخه حافزًا على جَمْعِه "الصحيح"، الذي لا يوجد على وجه الأرض كتابٌ أصحُّ منه إلا كتابُ الله تعالى. وما كان ذلك إلا توفيقًا من الله تعالى، وكَرَمًا منه لهذا الإمام العظيم، ثم تحرِّي هذا الإمام ودقَّته، وكثرة استخارته؛ حتى خرج كتابه على أحسن وجه. يقول - رحمه الله تعالى -: "ما وضعتُ في كتاب "الصحيح" حديثًا إلاَّ اغتسلت قبل ذلك وصليتُ ركعتين"![ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. ويقول: "صنَّفْتُ "الجامع" من ستمائة ألف حديث، في ست عشرة سنة، وجعلته حُجَّةٌ فيما بيني وبين الله"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ابتدأ تصنيفه وترتيبه وتبويبه في المسجد الحرام[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وحوَّل تراجمه في الرَّوضة الشريفة في مسجد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكان يصلِّي لكلِّ ترجمةٍ ركعتَيْن[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ويدلُّ هذا على تعظيمه لحديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأنه كان يرى أن الاشتغال بالحديث من أعظم ما يقرِّب إلى الله تعالى، حتى كأنَّ المشتغِل بالحديث مُجالس لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصَحْبه الكرام.

قال تلميذه الفِرَبْرِيُّ: "أملى يومًا عليَّ حديثًا كثيرًا، فخاف مَلالي؛ فقال: طِبْ نفسًا؛ فإن أهل الملاهي في ملاهيهم، وأهل الصناعات في صناعتهم، والتجار في تجاراتهم، وأنت مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

بعلمه وعمله، واتِّباعه للسُّنة وإخلاصه - بلغ صِيتُه آلافاق، وأثنى عليه العلماء؛ حتى قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: "ولو فتحتُ بابَ ثناء الأئمة عليه، ممَّن تأخَّر عن عصره؛ لفني القِرْطاس، ونفدت الأنفاس؛ فذاك بحرٌ لا ساحل له"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
um_okba
مشرفة منتدى اسلاميات
مشرفة منتدى اسلاميات
um_okba


الجنس : انثى عدد الرسائل : 1609
السٌّمعَة : 197
نقاط : 8457
تاريخ التسجيل : 03/03/2009

رجالات  الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجالات الاسلام   رجالات  الاسلام Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 6:08 am

ونقل عن قتيبة بن سعيد قوله: "جالستُ الفقهاءَ والزهَّاد والعبَّاد، فما رأيتُ منذ عقلتُ مثلَ محمدٍ بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصحابة"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وقال: "لو كان محمد في الصحابة لكان آية"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وبلغ من محبَّتهم للبخاري ما قاله يحيى بنُ جعفرٍ البِيكَنْدِي: "لو قدرتُ أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت؛ فإن موتي يكون موت رجلٍ واحدٍ، وموته ذهابُ العلم"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومع علمه وحفظه كان آيةً في العبادة، لم يشغله الحديث عن القرآن؛ إذ كان يختم في كل يوم من رمضان ختمة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، ويصلي في آخر الليل ثلاث عشرة ركعة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكان فيه خشوعٌ عجيبٌ؛ قام يصلِّي يومًا، فلسعه زنبورٌ سبع عشرة مرة، حتى تورَّم جسدُه، ولم يقطع صلاته حتى أتمها! فقالوا له في ذلك؛ فقال: "كنتُ في سورةٍ، فأحببت أن أُتِمَّها"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وكان فيه من الورع والتقوى ما يدعو للدهشة والإعجاب، ويكفي في ذلك قوله: "إني لأرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أنِّي اغتبتُ أحدًا"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

ومن دقيق محاسبته لنفسه في ذلك، أنه قال يومًا لأبي معشر الضرير: "اجعلني في حلٍّ يا أبا معشر. فقال: من أيِّ شيءٍ؟ قال: رويتُ يومًا حديثًا، فنظرت إليكَ وقد أعجبتَ به، وأنت تحرِّك رأسَك ويدَك؛ فتبسَّمتُ من ذلك. قال: أنت في حلٍّ، رحمك الله يا أبا عبدالله"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وبلغ من شدَّة وَرَعِه، أن ابنه أرسل إليه بضاعةً، فطلبها بعض التجار بربح خمسة آلاف درهم؛ فقال: "انصرفوا الليلة؛ فجاءه من الغد تجارٌ آخَرون، وطلبوها بربح عشرة آلاف؛ فقال: إني نويتُ أن أبيعها للذين أتوا البارحة، ولا أحبُّ أن أغيِّر نيَّتي"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وقد ورث من أبيه مالاً جليلاً، وكان يدفعه إلى بعض مَنْ يتاجر به مضاربةً، وكان منهم من أخذ خمسة وعشرين ألفًا ولم يُرْجِعْ إليه شيئًا؛ فقيل للبخاري: "استعنْ بكتاب الوالي عليه؛ حتى يُعيد إليك مالَكَ. فقال رحمه الله: إن أخذتُ منهم كتابًا طمعوا، ولن أبيع ديني بدنياي". ثم صالح غريمه على أن يعطيه كلَّ شهرٍ عشرة دراهم، وذهب ذلك المال كله[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

وأرسل إليه أحد الولاة أن يأتيه بكتابَيْه: "الصحيح" و"التاريخ"؛ حتى يسمعهما منه؛ فقال لرسول الوالي: "أنا لا أذلُّ العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس؛ فإن كانت لكَ إلى شيءٍ منه حاجة؛ فاحضر في مسجدي أو في داري ..."[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

فصار ذلك سببَ وَحْشَةٍ بينه وبين الوالي، مع سعي الوشاة بينهما؛ فنفاه عن البلد، فدعا عليهم - وكان مُجابَ الدَّعوة - وقال: "اللهم أَرِهِمْ ما قصدوني به في أنفسهم وأولادهم وأهاليهم". قال الرُّواة: "فما مضى على دعوته شهرٌ؛ حتى صار عاقبة الوالي إلى العزل والذُّل، ثم الحبس، ومَنْ سعى فيه ابتُلِيَ في أهله، حتى رأى فيهم ما يجلُّ عن الوصف، وآخَر ابتُلِيَ في أولاده بالبلايا"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

توفِّي - رحمه الله تعالى - ليلة عيد الفطر، سنة ستٍّ وخمسين ومائتين، وعمره اثنتين وستين سنة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]. وبوفاته - رحمه الله تعالى - طويت صفحةٌ من صفحات العلماء العاملين؛ لكن ضوءها لم يخفت؛ بل ظل يضيء الطريق للسائرين، غُرَّةً في جبين تاريخ المسلمين ورجاله الأفذاذ. ولو لم يكن من ضوئها إلا كتابُه "الصحيح"؛ لأضاء ما بين الخافقَيْن، وكان شاهدًا له إلى يوم الدين.

قال الطواويسي: "رأيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في النوم، ومعه جماعة من أصحابه، وهو واقفٌ في موضع؛ فسلمت عليه، فردَّ عليَّ السلام، فقلتُ: ما وقوفكَ يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري. فلما كان بعد أيام؛ بلغني موته؛ فنظرتُ فإذا قد مات في الساعة التي رأيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيها"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].

رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً، ورضيَ عنه، وجمعنا به في دار كرامته، ونفعنا بما نقول ونسمع، وأقول ماتسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رجالات الاسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرجولة في الاسلام
» من اعلام الاسلام (ابو بكر الصديق)
» من اعلام الاسلام ( علي بن ابي طالب)
» الطب الوقائي في الاسلام
» ما نظرة الاسلام لغير المسلمين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
alhamdullah.alafdal.net :: اسلاميات :: قصص ومحاضرات-
انتقل الى: